للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثانية: الترجيح]

بعد النَّظَرِ والتَأَمُّلِ في أدلَّة القولين والمناقشاتِ الواردة، فإنه يبدو -والله أعلمُ- رجحان القولِ بمنع الحِيَلِ للأسباب التالية:

١) أن أدلةَ القائلين بمنعِ الحِيَل أقوى في الدّلالة خُصُوصًا دليل الإجماع، فإنه حُجَّة قاطعة.

٢) أن أوجهَ الاستدلال من أدلَّة القائلين بجواز الحِيَل ضعيفةٌ، حيث تمَّ نقاشها بما يضعف الاستدلال بها.

٣) أن الحِيَل المحرَّمة تقتضي رَفْعَ التَّحْريم مع قيام موجبِه ومقتضيه، وإسقاط الوجوب مع قيام سببه، فيلزم منها فعل المحرم، وترك الواجب، مع ما تتضمَّنه من المكر والخِداع والتلبيس، إضافة إلى أن صاحبها لا يتوبُ منها حيث لا يعدُّها ذنبًا.

٤) أنَّ الحِيَل لو كانت جائزة، لشرعها الله سبحانه، وندبَ إليها لما فيها من التَّوسعة، والفَرَج للمكروب، والإغاثة للملهوف، ولو كان مقصودُ الشَارع إباحة تلك المحرَّمات، التي رتب عليها أنواع الذم والعقوبات لم يُحَرِّمها ابتداء، ولا

رتب عليها العقوبة أصلًا، ولكان ترك أبوابها مفتحة أَسْهَل من المبالغةِ في سَدَّها وعَلْقها، ثم يفتحُ لها أنواع الحِيَل حتى ينصب المحتالُ عليها من كلِّ ناحية، فهذا ممَّا تُصانُ عنه الشَّرائعُ فَضْلًا عن أكملها شريعة، وأفضلها دينًا (١).


(١) انظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (٢/ ٩٤).

<<  <   >  >>