للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكونَ البائعُ ثانيًا هو المشتري أولًا، أو من تنزل منزلته، والبائعُ أولًا هو المشتري ثانيًا، أو من تنزل منزلته" (١).

وحينما نتأمَّلُ نصوصَ المالكية في بيع العِيْنَة نرى أنَّهم قد بنوا حُكْمَ التحريم على قاعدة من قواعد المذهب المالكي، وهي [سدُّ الذَّريعة]، يقول الدّردير عن بيوع الآجال: "وهو بيعٌ ظاهره الجوازُ لكنه يُؤدِّي إلى مَمْنوع، فيمنع ولو لم يقصدْ فيه التَّوصُّل إلى الممنوع، سدًّا للذَّريعة، التي هي من قواعدِ المذهب. . . كبيعة سلعة بعشرةٍ لأجل، ثم يشتريها بخمسة نقدًا، فقد آل الأمرُ إلى رُجُوع السلعة، وقد دفع قليلًا عاد إليه كثيرًا" (٢).

ويقول الشَّاطبي: "الذَّرائعُ التي حكَّمها مالك في أكثر أبواب الفقه؛ لأنَّ حقيقتها التَّوسُّل بما هو مصلحةٌ إلى مفسدة، فإنَّ عاقدَ البيع أولًا على سلعة بعشرةٍ إلى أجل ظاهرِ الجوازِ، من جهة ما يتسببُ عن البيع من المصالح على الجملة، فإذا جعل مآل ذلك البيعِ مؤدِّيًا إلى بيع خمسة نقدًا بعشرة إلى أجل، بأن يشتري البائعُ سلعته من مشتريها بخمسةٍ نقدًا، فقد صار مآلُ هذا العمل إلى أن باع صاحبُ السلعة من مشتريها منه خمسة نقدًا بعشرةٍ إلى أجل، والسِّلْعَةُ لغوٌ لا معنى لها في هذا العمل؛ لأنَّ المصالحَ التي لأجلها شُرعَ البيعُ لم يوجدْ منها شيء" (٣).

ثالثًا: موقفُ الشَّافعية من بيع العِيْنَة:

صرَّح الإمامُ الشَّافعي -رحمه الله- بجواز العِيْنَة مخالفًا بذلك الجُمْهور، وقد أيَّد الجوازَ بقوة في كتابه (الأم) فقال: "فإذا اشترى الرجلُ من الرَّجلِ السِّلْعة


(١) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (٣/ ٧٧).
(٢) الشرح الصغير على أقرب المسالك لأحمد الدردير (٣/ ١١٦).
(٣) الموافقات (٤/ ١٩٨).

<<  <   >  >>