للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم الشحوم فجملوها، فباعوها" (١) فيحرم بيعُ التَّورُّق؛ لأنه حيلة من الحِيَل، مآلها إلى الرِّبا.

ويمكن الجواب عن المناقشة:

القَولُ بأن التَّورُّق حيلةٌ من الحِيَل المذمومة غير مسلم به؛ لأن الحيلةَ هي تقديمُ عمل ظاهر الجواز لإبطال حكم شرعي، كما سبق من كلام الشاطبي، فالحيلةُ لا تكون إلا بوجود القصد إلى التَّوصُّل إلى المحرَّم، فالتَّورُّق لا يكون حيلة إلا إذا نوى التَّوصُّل إلى ممنوع؛ لأن أصل الحِيَل راجعٌ إلى القصد والنية، كما بيَّن ذلك شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حيث قال: "وأصلُ هذا الباب -يعني الحِيَل- "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" (٢) فإن كان قد نوى ما أحلّه الله فلا بأس، وإن نوى ما حرَّم الله، وتوصَّل إليه بحيلة، فإن له ما نوى" (٣). والمُتَوَرِّق لم يقصدْ بفعله ارتكابَ المحرم، وإنما أراد اجتناب المحرم، والخلوص من الرِّبا.

- الدليل الثالث: أن الحاجة تدعو إلى بيع التَّورُّق؛ لأن المحتاج لا يجدُ من يقرضه، فيلجأ إلى بيع التَّورُّق (٤).

ويمكن أن يناقش هذا الدليل:

أن الحاجة لم تكنْ مبررةً للمحتاج لدخوله في الرِّبا، ومجرد الحاجة لا تكفي لاستباحة المحرمات، التي يعدّ بيع التَّورُّق نوعًا منها، إذ هو بابٌ من أبواب الرِّبا.

ويمكن الجواب عن المناقشة:


(١) صحيح البخاري: كتاب البيوع. باب: لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه (٢/ ٧٧٤).
(٢) صحيح البخاري. باب: بدء الوحي (١/ ٣) رقم (١).
(٣) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٢٩/ ٤٤٧).
(٤) انظر: كشاف القناع للبهوتي (٣/ ١٨٦).

<<  <   >  >>