للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما في البيع والشراء، إذ التَّورُّق في الحقيقة عبارةٌ عن بيع وشراء، وأما الرِّبا فلا يكونُ من ورائه إلا تفشي الدُّيون، التي لا يكون من ورائها إلا القضاء على النشاط الاقتصادي المنتج.

ويمكن الجواب عن هذه المناقشة بالآتي:

لا خلافَ أن صورةَ التَّورُّق تختلفُ عن صورة الرِّبا، والنزاع ليس في هذا، وإنما في حقيقة الرِّبا هل هي موجودةٌ في التَّورُّق أم لا؟.

فمن كان ينظرُ إلى الصُّورة فقط دون النظر إلى الحقيقة فإنه يحكمُ بالجواز، ومن كان ينظرُ إلى المعنى الذي لأجله حرم الله الرِّبا، ووجده في التَّورُّق، فإنه يحكمُ بالتَّحريم، وحقيقة ربا النَّسِيئة هي الزيادةُ في الذِّمَّة دون مقابل، وهذه بعينها موجودةٌ في التَّورُّق، والعبرةُ بالمقاصد والمعاني لا بمجرَّد الألفاظ، والمباني.

والذي يثيرُ العجبَ أن من يجيزُ التَّورُّق ينظرُ لمجرد الصُّورة، في حين أن صاحبَ المعاملة لا ينظرُ للصورة، بل للحقيقة، وهي الحصولُ على نقد حاضر بمؤجَّل أكثر منه، وهذا هو الذي جعل الكثيرَ يظنُّ أن الشَّريعة لا تتعامل بالحقائق، بل بالرسوم والمظاهر، وبناء الحكم على الصُّورة دون الحقيقة يجعلُ الناس أقلّ إيمانًا بالشَّريعة، وتعظيمًا لها، ومن ثم أقلّ التزامًا بأحكامها (١).

الدليل الرابع: أن التَّورُّق فيه إعراضٌ عن مبرَّة الأقراض التي حثَّ عليها الإسلام.

ويمكن أن يناقش هذا الدليل:

أن القَرْض غيرُ واجبٍ على المسلم، بل هو من المندوبات، والإعراضُ عن المندوب لا يكونُ محرمًا.


(١) انظر: التَّورُّق والتَّورُّق المنظم. د: سامي السويلم ص (٣٤ - ٣٥).

<<  <   >  >>