للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يعني هذا أنَّ الشَّافعيَّ يجيزُ إضمارَ نية المحرمِ؛ لأنه يفرقُ بين صحة العقدِ وبين نيةِ العاقد، فإذا نوى شخصٌ ما هو محرم، فإنه يأثمُ ولا يستلزمُ بطلانَ العقد عنده، ولذلك يقولُ: "أصلُ ما أذهب إليه أنَّ كلَّ عقد كان صحيحًا في الظَّاهر، لم أبطله بتهمةٍ ولا بعادةٍ بين المتبايعين، وأجزته بصحَّة الظاهر، وأكره لهما النية إذا كانت النيةُ لو أظهرتْ كانت تفسدُ البيع" (١).

ويقول ابنُ حَجَر: "فالشَّافعيةُ يُجَوِّزون العقودَ على ظاهرها، ويقولون مع ذلك: إن مَنْ عمل الحِيَلَ بالمكر والخديعة يأثمُ في الباطن. . . فمن نوى بعقد البيع الرِّبا وَقَعَ في الرِّبا، ولا يخلِّصه من الإثم صورةُ البيع" (٢).

وبهذا نعرفُ أنَّ الشَّافعيةَ يرون جوازَ بيع العِيْنَة من غير كراهةٍ، غير أنَّ بعضَ المتأخِّرين من الشَّافعية يرون الكراهةَ مع صِحَّة العقد، يقولُ الأنصاريُّ: "ويُكْرَهُ بيعُ العِيْنَة. . . لما فيها من الاستظهار على ذي الحاجة، وهي أن يبيعَهُ عينًا بثمنٍ كثيرٍ مؤجَّل، ويسلمها له، ثم يشتريها منه بنقدٍ يسيرٍ، ليبقى الكثيرُ في ذِمَّتِه" (٣).

ويقول الرَّمْلِيّ: "البيعُ قد يُكْره كبيع العِيْنَة، وكل بيعٍ اختلف في حلِّه كالحِيَل المخرجةِ من الرِّبا" (٤).

ممَّا سبق أستطيعُ القولَ بأنَّ الشَّافعيةَ يُروى عنهم رأيان في بيع العِيْنَة:

الأول: الجوازُ كما صرَّح به المتقدمون منهم كالشَّافعي، والنَّووي، والبغوي، ويُشترطُ للجواز أمران:


(١) المرجع السابق (٣/ ٧٤).
(٢) فتح الباري (١٢/ ٣٣٧).
(٣) أسنى المطالب (٢/ ٤١).
(٤) نهاية المُحتاج شرح المنهاج (٣/ ٤٧٧).

<<  <   >  >>