فلما افتتح عمرو بن العاص مصر امتنع الهاموك من تسليمها، وتحصن بها واستعد للحرب، فأنقذ إليه عمرو المقداد بن الأسود في طائفة من المسلمين فحاربهم الهاموك، وقتل ابنه في الحرب، فحينئذ جمع الهاموك إليه أصحاب واستشارهم في أمره، وكان عنده حكيم قد حضر الشورى، فقال: أيها الملك إن جوهر العقل لا قيمة له وما استغنى به أحد إلا هداه الله عز وجل إلى سبيل النجاة والفوز من الهلاك، وهؤلاء العرب من بدء أمرهم لم ترد لهم راية وقد فتحوا البلاد وأذلوا العباد، وما لأحد عليهم قدرة، ولسنا بأشد من جيوش الشام ولا أعز وأمنع، وأن القوم قد أيدوا بالنصر والظفر والرأي، وأن تعقد معهم صلحًا تنال به الأمن وحقن الدماء وصيانة الحرم، فما أتته بأكثر رجالاً من المقوقس، فلم يعبأ الهاموك بقوله، وغضب منه، فقلته ثم ألهم الله بنصره وتأييده ولدًا للهاموك كان عارفًا عاقلاً، له دار ملاصة للسور، فخرج إلى المسلمين ليلاً، ودلهم على عورات البلد حيث استولوا عليها، وتمكنوا منها وبرز الهاموك للحرب، لم يشعر بالمسلمين إلا وهم بكبرون على السور وقد ملكوه، وبادر ابنه وهو "شطا" فلحق ومعه عدة من أصحابه بالمسلمين، فقت ذلك في عضد أبيه واستأمن المقداد، فتسلم المؤمنون دمياط، واستخلف المقداد عليها، وسير بخبر الفتح إلى عمرو، وخرج شطا بعدما أسلم إلى البرلس والدمي، واشموم طناح فحشد أهل تلك النواحي وقدم بهم مددًا للمسلمين، وعونًا لهم على عدوهم وسار بهم لفتح تنيس، فبرز لأهلها وقاتلهم قتالاً شديدًا حتى قُتِلَ رحمه الله في المعركة شهيدًا بعدما أنكا فيهم، وقتل منهم، فحمل من المعركة، ودفن في مكانه المعروف به خارج دمياط، وكان قتله في ليلة الجمعة منتصف شعبان، ولذلك صارت هذه الليلة من كل سنة موسمًا يجتمع فيه أهل البلد، ومن جاورهم من النواحي