فقال: أكمل الأحوال أن يستمر قاعدًا ذاكرًا إلى أن يرتفع وقت الكراهة فيصلي ركعتين، فإن تخلل بين ذلك قول غير الذكر ويدخل فيه تلاوة القرآن وفعل ما أو سكوت لم يحصل تمام الموعود، هذا ما يقضتيه ظاهر العبارة ويلتحق بذلك حكمًا اشتراط الخشوع، لأنه أجل ما يشترط في ذلك لأن المراد بالقعود على الهيئة المذكورة عدم التشاغل بشيء من أمور الدنيا. ويلتحق بذلك عدم التشاغل بعبادة أخرى كالطواف، والمقصود من الفراغ من الأقوال والأفعال جزمًا، ليس هو القعود لذاته ولا الذكر بلسانه مجردًا، لكن التوجه التام والإقبال على من يذكره في ذلك الوقت إلى أن تحرم بالصلاة حين يزول وقت الكراهة فيوجد من هذا المطلوب اشتراط الخشوع واستمرار في تلك المدة، لكني أقول: إن هذا يحصل كمال المطلوب في هذه العبادة ولا يلزم منه حرمان من أجل شيء من ذلك بالتشاغل بعبادة أخرى مقصودة أو وسيلة لمقصود، بل يحصل في الأقوال كمن أمر بمعروف مثلاً أو نهى عن منكرٍ مثلاً في تلك الحالة الثواب الجزيل. وفي الأفعال كمن طاف، وكذا من اتفق له حدث فتشاغل بالوضوء، وكذا من اشتغل عن الخشوع بفكر عرض له فلم يسترسل معه، وكذا من غلب النعاس فشأنه مع محافظة ما ذكر أن يستمر في مجلس يعوده، ويمكن بقعدته من الأرض على وضوئه، فإنه إن غلب عليه النوم فنام لا يعدم الثواب الموعود به لكونه لم يحصل منه تعمد لذلك، وعلى هذا فيقال: يشترط في هذا الأخير أن بداية النعاس أن يسعى في إذهابه بما يمكنه ولا يسترسل معه كما ورد في حديث النفس بلفظ: "لا يحدث فيها نفسه" لأنه لا يملك أن لا تحدثه نفسه بل يملك أن لا تحدثها فإنه متى حافظ على أنها إن فتحت له من ذلك بابًا سده لا يكون ممن حدثها، بل من إذا حدثته حدثها فإنها تسترسل في تحديثه فيخرج عن الشرط، فكذا هذا إذا بدره النعاس حافظ على دفعه بما يقدر عليه كما تقدم والله أعلم.