المقدس، وفنيت أزوادهم وذخائرهم في مدة المحاصرة بل وأكلوا دوابهم وما بقي لهم جلد على الصبر، وراسلوا الملك العادل سيف الدين أبا بكر إخلاء السلطان، وكان أخوه قد أقامه عند توجهه إلى البلاد الشمالية بتلك النواحي في جملة العساكر في بذل تسليم القلعة إليه، وطلب الأمان على أنفسهم منه، وترددت الرسل بين الفريقين بذلك إلى أن أجابهم، وأرسل إلى صهره سعد الدين كمشبغا الأسدي الذي رتبه السلطان على منازلة الكرك، ومحاصرته، يأمره بتسليمها ففعل، بل وتسلم منها ما يقاربها من الحصون كالشويك. وأضيف كلها للملك العادل وألقى الإسلام هناك جرانه، وأمنت قلوب من في ذلك الصقيع من البلاد كالقدس الشريف، فإنهم كانوا من بتلك الحصون وجلين، ومن شرهم مشفقين، وكان ذلك في اثناء سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وقبيل موت السلطان رحمه الله تعالى بيسير وذلك في رمضان سنة ثلاث وثمانين أستاذنه أخوه المذكور في المضي إلى الكرك لينقذه، فأذن له، فمضى إليه وأصلح فيه ما قصد إصلاحه، وبالجملة فلم يسلم الفرننج إلا عن عجز وغلبة ووهن، وإلا فبعد قتل السلطان صاحبه كما قدمت حضرت إليه روحه المقتول سائلة في إطلاق ولدها، مأسور عنده، فعلق ذلك على تسليم الكرك له، فامتنع الفرنج مع كونهم رعية، روحها من إجابتها حين سألتهم فيه، واستمر ولدها في الأسر، ولكن أطلق لها السلطان ما لها وأتباعها، وكان السلطان رحمة الله عليه كما قاله صاحب الكامل: كلما فتح مدينة من عكا وبيروت وغيرهما مما ذكره، أعطى أهله الأمان، يعني على أنفسهم وأموالهم كما صرح به في عكا، قال: وخيرهم بين الإقامة والظعن