للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} (١).

وهكذا نجد أن الجسم الإنساني وما فيه من أعضاء وحواس لها وظائف متباينة ومتداخلة، لتمكن الفرد من القيام بواجب الاستخلاف في الأرض. وقد أثبت النص السابق قدرة ابن الجوزي وسَعة اطلاعه وثقافته في ترابط خلق الإِنسان الذي يعمل عمل وحدة متكاملة بما أثبت أكثره الطب الحديث من معلومات علمية قيمة، وقد صاغ ابن الجوزي تلك المعارف في أسلوب أدبي لطيف.

د - رأي ابن الجوزي في وظائف العقل البشري وصفاته

يرى ابن الجوزي أن الكائن البشري يتميز عن الحيوان بالعقل لأنه مناط التكليف، ويقرر أنه أجل الأشياء التي وهبها الله للإنسان وبه معرفة الإله وبه تضبط المصالح وتلحظ العواقب وتدرك الغوامض وتجمع الفضائل (٢). وهذه تعتبر من وظائف العقل البشري الأساسية.

ثنم وضَّح ابن الجوزي أربعة جوانب يتميز بها الإنسان عن الحيوان بصفات العقل فقال: "العقل ويطلق بالاشتراك على أَربعة معان أحدها الوصف الذي يفارق به الإنسان البهائم وهو الذي به استعد لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية وهو الذي أراده من قال: هو غريزة وكأنه نور يقذف في القلب يستعدّ به لإدراك الأشياء، والثاني ما وضع في الطباع من العلم بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، والثالث علوم تستفاد من التجارب تسمى عقلًا. والرابع أن منتهى قوته الغريزية إلى أن تقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة، والناس يتفاوتون في هذه الأحوال إلا في القسم الثاني الذي هو العلم الضروري" (٣).


(١) سورة الأحقاف، الآية ٢٦.
(٢) ابن الجوزي، أبو الفرج، عبد الرحمن بن علي. الأذكياء. دمشق، مكتبة الإحسان للطباعة والنشر والتوزيع، دون طبعة تاريخ، ص ١.
(٣) المرجع السابق، ص ٥.

<<  <   >  >>