للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشهوات عاجلًا، وإن كانت سببًا للألم والأذى في العاجل، ومنع لذّاتٍ في الآجل" (١).

والسبب فيما ذكر ابن الجوزي من حقيقة الهوى التي تدعو إلى الانسياق وراء الشهوات دون تفكرٍ أو ترو في عواقبه، أن الهوى يعتبر "قيدًا للعقل وعائقًا في سبيل انطلاقه وتحرره. ذلك أنه يجعل صاحبه يتأثر بعواطفه ورغباته في نظرته للأمور فيراها من زاويته الخاصة، فلا تصبح الحقيقة المجردة بغيته ومطلبه، ويجعله يصدر أحكامه على شتى الموضوعات تبعًا لحبه للشيء أو بغضه له، ويجعله يدرك الأشياء من منظور مصلحته الشخصية واعتباراته الذاتية" (٢).

وعلى هذا يمكن اعتبار الهوى هو "جماع الميول الفطرية التي تتجه بالإنسان إلى متاع الحياة الدنيا، فإذا طاوعه واتبع دواعيه أوقعه في أسر اللذات الأرضية المحسوسة حتى يصبح كل همه في أن يأكل ويتمتع كشأن البهائم، وحتى يذبل عنصره الروحي، ويَنْبَتُّ الحبل بينه وبين عالم الغيب. ولا يزال الهوى بصاحبه حتى يبطل سرّ كرامته على سائر الأشياء ويعطل تعلقاته العلوية من فرط شغله بالشهوة السفلية، بل حتى يغشى بصيرته جميعًا فلا يرى إلا ما تحت قدميه، ولا يعنى إلا بالقريب العاجل، لا ينظر في حياته لمآلاتها البعيدة، ولا يقدم شيئًا لآجلته" (٣). لذلك كان لابد من مجاهدة النفس ومخالفة الهوى، والاعتدال في إشباع الحاجات والدوافع الفطرية حتى يسير الإنسان منضبطًا في حياته دون تعثر أو انحراف، وفي ذلك يقول ابن الجَوزي: "فلا يذم هذا المقدار إذا كان المطلوب مباحًا، وإنما يذم الإفراط فيه، فمن أطلق ذم الهوى فلأن الغالب فيه ما لا يحل أو يتأول المباح بإفراطه" (٤).


(١) المرجع السابق، ص ١٢ - ١٣.
(٢) مرجع سابق، عبد العال، د. حسن. مقدمة فلسفة التربية الإسلامية. ص ١٨٨ - ١٨٩.
(٣) الترابي، حسن. الإيمان. أثره في حياة الإنسان. الكويت، دار القلم، الطبعة الأولى، ١٣٩٤ هـ- ١٩٧٤ م، ص ٥٤.
(٤) مرجع سابق، ابن الجوزي. اللطائف والطب الروحاني. ص ٩٤.

<<  <   >  >>