للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وضع الله تعالى شهوة النكاح في الإِنسان لحكمة بليغة، ألا وهي استمرار تناسل وتكاثر الجنس البشري، لاستمرار الحياة الدنيوية حسب تقدير الله تعالى لها، وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "وهذا الميل قد خُلق في الإنسان لضرورة بقائه، فإنه لولا ميله إلى المطعم ما أكل، وإلى المشرب ما شَرب، وإلى المنكح ما نكح، وكذلك كل ما يشتهيه، فالهوى مستجلب له ما يفيد، كما أن الغضب دافع عنه ما يؤذي، فلا يصلح ذم الهوى على الإطلاق، وإنما يذم المفرط من ذلك، وهو ما يزيد على جلب المصالح ودفع المضارّ" (١).

ولما كان الغالب على النفس البشرية الهوى واتباع الشهوات، فلابد من تحكيم العقل في ضبط وتوجيه الشهوات .. ومخالفة الهوى وجعل العقل واعظًا وحائلًا دون ارتكاب المعاصي .. التي تمنح الإنسان لذةً موقتة .. ومتعةً عاجلة .. يعقبهما ألمُ وحسرةً وندمُ آجل، وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "وإذا عرف العاقل أن الهوى يصير غالبًا، وجب عليه أن يرفع كل حادثة إلى حاكم العقل، فإنه سيشير عليه بالنظر في المصالح الآجلة، ويأمره عند وقوع الشبهة باستعمال الأحوط في كفّ الهوى، إلى أن يتيقن السلامة من الشر في العاقبة" (٢).

وما من مفرط في اتباع الهوى دون تفكير وتدبر فيما يصيبه من عاجل اللذة والسعادة، وآجل العاقبة والشقاء، إلا ظلم نفسه ظلمًا عظيمًا، وخرج من دائرة الإِنسانية إلى الحيوانية المحضة، وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "ولو زال رين الهوى عن بصر بصيرته، لرأى أنه قد شقي من حيث قدَّر السعادة، واغتَّم من حيث ظن الفرح، وألم من حيث أراد اللذة. فهو كالحيوان المخدوع بحَبِّ الفخ، لا هو نال مَا خُدع به، ولا أطاق التخلص مما وقع فيه" (٣).

وحتى يجد المفرط في اتباع الهوى، خلاصه من أسر ذله وهواه، فعليه بالعلاج التربوي الذي رآه ابن الجوزي في قوله: "فعليه بالعزم


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. ذم الهوى. (تحقيق) عبد الواحد، د. مصطفى، ص ١٢.
(٢) المرجع السابق، ص ١٣.
(٣) المرجع السابق، ص ١٣ - ١٤.

<<  <   >  >>