للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القوي في هجران ما يؤذي، والتدرج في ترك ما لا يؤمَن أذاه" (١).

وقد جعل ابن الجوزي علاج الهوى على مرحلتين:

الأولى: العزم الصادق في ترك ما يؤذي، ومجاهدة النفس في مخالفة الهوى.

الثانية: التدرج في الإقلاع. وقد أكّد هذا المعنى الذي اشتقه ابن الجوزي من المنهج التربوي الإِسلامي، د. مقداد يالجن الذي نوه بأهمية استخدام "التدريب المتدرج على كل مبدأ من المبادئ الأخلاقية، سواء كان ذلك عند التحلي بالفضائل أو التخلي عن الرذائل: التدرج في تكوين كل فضيلة والتدرج أيضًا في ترك كل رذيلة" (٢).

وتبرز ضرورة استخدام هذا المبدأ في حال المدمن؛ فإنه لا يمكن لمدمن الشهوات أن يتركها دفعة واحدة .. وإنما لابد من التدرج في مجاهدة النفس وتطويعها بالصبر والعزم والإرادة القوية على التقليل من الشهوات، وفي أثناء هذه المجاهدة والمصابرة، لابد من تذكّر أمور سبعة أوجزها ابن الجوزي للمساعدة على علاج الهوى وهو يتم فيما يأتي:

الأول: "التفكر في أن الإِنسان لم يخُلق للهوى، وإنما هُيئ للنظر في العواقب والعمل للآجل، ويدل على هذا أن البهيمة تصيب من لذة المطعم والمشرب والمنكح ما لا يناله الإِنسان، مع عيش هنّي خالٍ عن فكرٍ وهمّ. ولهذا تساق إلى منحرها وهي منهمكة على شهواتها، لفقدان العلم بالعواقب. والآدمي لا ينال ما تناله لقوة الفكر الشاغل والهم الواغل، وضعف الآلة المستعملة. فلو كان نيل المشتهى فضيلة لما بخس حظ الآدمي الشريفَ منه، وزيد حظُّ البهائم. وفي توفير حظ الآدمي من العقل وبخس حظه من الهوى ما يكفي في فضل هذا وذم ذلك" (٣).

وفي عبارته هذه يؤكد ابن الجوزي أهمية إدراك الإنسان لوظيفته


(١) المرجع السابق، ص ١٤.
(٢) يالجن، د. مقداد. التربية الأخلاقية الإِسلامية. القاهرة، مكتبة الخانجي، الطبعة الأولى، ١٣٩٧ هـ - ١٩٧٧ م، ص ٤٣٢.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. ذم الهوى. (تحقيق) عبد الواحد، مصطفى، ص ١٤.

<<  <   >  >>