للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأساسية في الكون .. وأنه لم يخلق عبثًا أو لإشباع الشهوات، لقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} (١).

وإذا أدرك الإِنسان غاية وجوده، وسار في الأرض بمقتضى تميزه بالعقل الضابط، والمنهج القرآني الحكيم، استطاع أن يخالف هواه ويطوعه في مرضاة الله تعالى. ثم ذكر ابن الجوزي في علاجه الثاني والثالث المعنى نفسه فقال:

والثاني: أن يفكر في عواقب الهوى. فكم قد أفات من فضيلة، وكم قد أوقع في رذيلة، وكم من مطعم قد أوقع في مرض، وكم من زلة أوجبت انكسار جاهٍ وقبح ذكرٍ مع إثم!

والثالث: "أن يتصور العاقل انقضاء غرضه من هواه، ثم يتصور الأذى الحاصل عقيب اللذة" (٢). في هاتين العبارتين، يوجه ابن الجوزي إلى أهمية العقل وتدبره في إدراك عواقب ونتائج الهوى، لأنه لو تفكر الإِنسان فيما سيجنيه من لذته الحاضرة .. ومتعته العاجلة، من أسىً في نفسه، وألمٍ في قلبه، وحسرةٍ في وجدانه، وذلةٍ وانكسار عند خلقه، لما أقدم على فعله، واستعلى على هواه وطلب أجر الآخرة.

ثم ذكر في علاجيه الرابع والخامس أهمية التفكر في عواقب الهوى على الآخرين، وقياسه على نفسه ليدرك سوء نتائجه، فقال:

والرابع: أن يتصور ذلك في حق غيره، ثم يتلمح عاقبته بفكره، فإنه سيرى ما يعلم به عيبه إذا وقف في ذلك المقام.

والخامس: أن يتفكر فيما يطلبه من اللذات، فإنه سيخبره العقل أنه ليس بشيء وإنما عين الهوى عمياء" (٣) وقد استشهد ابن الجوزي بما جاء في الحديث عن ابن مسعود - رضي الله عنه -:"إذا أعجبت أحدكم امرأة فليذكر مناتنها" (٤).


(١) سورة الذاريات، الآيتان ٥٦ - ٥٧.
(٢) مرجع السابق، ابن الجوزي. ذم الهوى. (تحقيق) عبد الواحد، مصطفى، ص ١٤.
(٣) المرجع السابق، ص ١٤.
(٤) المرجع السابق، ص ١٥.

<<  <   >  >>