في هذين العلاجين، يلفت ابن الجوزي نظر الإِنسان إلى أنه حتى يدرك مغبة اتباع الهوى وما يتبعه من أذى، فعليه أن يرى المفرطين في اتباع الشهوات ليدرك ما أصابهم من جراء ذلك، فيكون له رادعًا وعاصمًا من الوقوع في زلات الهوى. وحتى يدرك تمامًا أن عين الهوى عمياء عن كشف العيوب والمخاطر والذنوب.
السادس: ثم يبين ابن الجوزي في علاجه السادس وهو مخالفة الهوى والتفكر في عواقب اتباعه، حتى تكون دافعًا وحافزًا لمجاهدة النفس، فقال في ذلك:"أن يتدبر عز الغلبة وذل القهر، فإنه ما من أحد غلب هواه إلا أحس بقوة عز، وما من أحد غلبه هواه إلا وجد في نفسه ذل القهر".
السابع: وهو العلاج الأخير، أن يتفكر في فائدة المخالفة للهوى، من اكتساب الذكر الجميل في الدنيا، وسلامة النفس والعرض، والأجر في الآخرة. ثم يعكس، فيتفكر لو وافق هواه في حصول عكس ذلك على الأبد، وليفرض لهاتين الحالتين حالتي آدم ويوسف -عليهما السلام-. في لقمة هذا وصبر هذا!
أين لذة آدم التي قضاها، من هَمَّة يوسف التي ما أمضاها؟ " (١).
وبعد أن بيَّن ابن الجوزي فوائد مخالفة الهوى من الذكر الجميل في الدنيا والآخرة، وجهنا للاعتبار والاتعاظ من قصة آدم -عليه السلام- في اتباعه هوى نفسه، بأكله من الشجرة المنهي عنها، وخروجه من الجنة وحرمانه من نعيمها، فناله ذل المسلم المتبع شهواته لولا رحمة الله تعالى به في توبته الصادقة المطهرة له من ذنوبه. ومن قصة يوسف -عليه السلام- ومخالفته لهوى نفسه في اتباع أمر امرأة العزيز، وتفضيله السجن في طاعة الله تعالى، على الحرية في معصية الله تعالى، فنال عز المؤمن القوي المستعلي على شهواته. وقد أورد ابن الجوزي هذين المثالين ليكونا عبرة وعظة وذكرى لمن غلبت عليه شهوته .. أو غفل ونسي في زحمة مطامعه الدنيوية، فيقوم من تعثره وانحرافه بنفسٍ قويةٍ مجاهدةٍ.