للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَعْلَمُونَ} (١). وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "إن جميع ما وضع في الآدمي إنما وضع لمصلحته، إما لاجتلاب نفع كشهوة المطعم أو لدفع ضر كالغضب" (٢). ولما كانت هذه الدوافع "ناشئة أساسًا من التكوين المادي، وهي تدفع الإِنسان إلى الالتصاق بالحياة المادية الأرضية والانهماك في الأمور الحسية، فقد جاءت آيات كثيرة تصف طبيعة الإِنسان من هذه الناحية وانهماكه في الحياة المادية، وإخلاده إليها" (٣) وقد استشهد المؤلفان بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ} (٤)، وقوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} (٥). وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "رأيت ميل النفس إلى الشهوات زائدًا في المقدار حتى إنها إذا مالت، مالت بالقلب والعقل والذهن، فلا يكاد المرء ينتفع بشيء من النصح" (٦)، ويقر ابن الجوزي بأهمية الدوافع في حياة الإنسان ولكن يرى تحقيقها بطريقة معتدلة ومتوازنة ومتكاملة، حتى يسير الإنسان مشبعا لدوافعه منضبطًا، مستغلًا لكل طاقاته لتكون أداة تعمير لا تدمير للكيان البشري وتكون الدوافع عونًا له في عمارتها بما يرضي الله تعالى. أما عندما تطغى شهوات الإنسان عليه كشهوة المال أو النكاح أو الجاه أو السلطان فيكون الأمر كما قال في ذلك محمد قطب: "فذلك اختلال في باطن نفسه، لا يسعده في الحقيقة وإن بدا له في أول الأمر أنه مستمتع وراض وسعيد. إنما هو في الواقع شقوة دائمة، لأنه قلق على ما عنده وراغب في المزيد، ثم هو اختلال في واقع الحياة، فكل شهوة زائدة عن الحد لا تجرف صاحبها وحده، وإنما تصيب غيره من الناس في الطريق. تصيبهم بعدوان يقع عليهم لا محالة من هذه الشهوة التي تجاوز الحدود" (٧).


(١) سورة الأعراف، الآية ٣٢.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. اللطائف والطب الروحاني. ص ٩٢.
(٣) مرجع سابق، القاضي، د. يوسف ويالجن، د. مقداد. علم النفس التربوي في الإسلام. ص ٣٣ - ٣٤.
(٤) سورة محمد، الآية ١٢.
(٥) سورة الأعراف، الآية ١٧٦.
(٦) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٥٧.
(٧) مرجع سابق، قطب، محمد. منهج التربية الإسلامية. الجزء الأول. ص ٣٢.

<<  <   >  >>