للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فضل زوجة أو خادم، أو احتاج ولده إلى مثل ذلك كان في كسبه ما يكفيه، وفي الجملة ينبغي أن تكون النفقة أقل من الكسب، ليقتني من الفضل ما يكون مُعدا لحادثة لا تؤمن، وهذا ما يأمر به العقل الناظر في العواقب، ولا يبالي به الهوى الناظر إلى الحالة الحاضرة" (١)، ولذلك مدح الله تعالى الملتزمين بالمنهج المالي القويم في الإنفاق، فقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (٢) وقد استشهد ابن الجوزي بما جاء عن أبي الدرداء مرفوعا "من فقهِ الرجلِ بعدُ النظرِ في معيشتهِ" وقد رُوي موقوفا (٣).

د - رأي ابن الجوزي في دافع حب التمتع بالأبنية والخيل المسومة والملابس الفاخرة:

كذلك من الشهوات التي تميل إليها النفس البشرية، حب التمتع بالأبنية المزخرفة الجميلة والخيل المسوّمة والسيارات الفارهة. والملابس الفاخرة، وهذا شيء طبيعي لأن "حب الحياة والأمل فيها جزء من فطرة الإنسان، ولولا ذلك ما عُمِرت الأرض، ولا ترعرعت شجرة الحياة، فلم يكن مما ينافي الحكمة أن يزين للناس حب الشهوات، ولكن الخطر كل الخطر أن يستغرق الناس في حب الدنيا وطول الأمل فيها، وأن تكون هذه الحياة القصيرة أكبر همهم ومبلغ علمهم ومنتهى آمالهم" (٤)، وهنا يكون الشره المنهى عنه والذي خرج عن الهدف الأساسي من عمارة الأرض، وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "وقد يقع الشره في فنون ما يلتذ به من الأبنية المنقوشة، والخيل المسومة، والملابس الفاخرة وغير ذلك، وهذا مرض أصله موافقة الهوى" (٥). ولعلاج حب الدنيا وزينتها، المتمكن في النفس البشرية، استخدم ابن الجوزي أسلوب


(١) المرجع السابق، ص ١٠٤.
(٢) سورة الفرقان، الآية ٦٧.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. اللطائف والطب الروحاني. ص ١٠٤.
(٤) القرضاوي، د. يوسف. الإيمان والحياة. القاهرة، مكتبة وهبة، الطبعة الخامسة، ١٣٩٧ هـ - ١٩٧٧ م، ص ٢٠٠.
(٥) مرجع سابق، ابن الجوزي. اللطائف والطب الروحاني. ص ١٠٠.

<<  <   >  >>