للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بتطبيق منهج الإِسلام، لأن النفس الإنسانية جُبلت على حب اتباع الصالحين والتأسي بسلوكهم وخلقهم، ويؤكد ذلك الأستاذ النحلاوي بقوله: "إن حاجة الناس إلى القدوة نابعة من غريزة تكمن في نفوس البشر أجمع هي التقليد، وهي رغبة ملحة تدفع الطفل والضعيف والمرؤوس إلى محاكاة سلوك الرجل والقوي والرئيس" (١). فيكون ذلك أسرع في التخلص من أمراض النفوس.

هـ - رأي ابن الجوزي في حب الرئاسة في الدنيا وطريقة توجيهه:

كذلك من الشهوات التي تميل إليها النفس البشرية، حب الرئاسة في الدنيا دون التفكر في عواقبها، وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "إن النفس تحب الرفعة والعلو على جنسها، فتؤثر الإمارة والولاية لمكان الأمر والنهي، وهذا وإن كان مطلوبًا إلا أن فيه مخاطراتٍ أقلُها العزل بعد الولاية، وأعظمها الجور في الحكومة، وأوسطها تضييع الزمان إذا لم تَصُحَّ للوالي نية" (٢).

وهنا يتعرض ابن الجوزي لشهوة السلطان التي تتملك النفس البشرية وما يصحبها من حب الرفعة والعلو على غيرها من الناس، وهذا الأمر وإن كان محببًا ومطلوبًا -في نظر ابن الجوزي- إلا إنه يحذر من عواقبه في الدنيا والآخرة، فأقل المخاطر التي تحيط به هو العزل من السلطة إذا لم ينفذ ما يطلب منه سواء كان حقًا أم باطلًا، وكون الإِنسان شاعرًا بأنه مهدَّد في منصبه، فهذا يجعله قلقًا متوترًا حريصًا على تنفيذ ما يُطلب منه وإن كان فيه مخالفة واضحة لشرع أو عرفٍ صحيح، حتى يحافظ على منصبه. وهذا الحرص يؤدي به إلى الظلم وانتهاك الحرمات والتعدي على حقوق غيره من الناس، يضاف إلى ذلك إضاعة عمر الإنسان فيما قد يضره ولا يفيده.

هنا نجد ابن الجوزي يذم الرئاسة، ولكن الأمر ليس على إطلاقه، لأن الحاكم إذا كان عادلًا فهو يكون من الذين يظلُّهم الله يوم القيامة


(١) النحلاوي، عبد الرحمن. أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع. دمشق، دار الفكر، الطبعة الأولى، ١٣٩٩ هـ - ١٩٧٩ م، ص ٢٣١.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. اللطائف والطب الروحاني. ص ١٠١.

<<  <   >  >>