للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بظله. ثم يبادر ابن الجوزي ببيان علاج شهوة السلطان، التي تبدو في خيال طالبها وراغبها، أنها عظيمة القيمة، بعيدة المنال فإذا وصل إليها هانت عليه وتاقت نفسه إلى غيرها .. وهكذا في إلحاح دائم .. وإصرار دائب للوصول إلى أعلى المناصب، دون تحسب للعقاب الآجل والعاجل .. فيمضي عمره في لذة تزول .. وحسرة تدوم .. وذنب مكتوب، فمن هنا يتبين أن على الإِنسان أن يتمهل ويتفكر في العواقب حتى يسلم دينه ونفسه، ويشتري بحياته الدنيا نعيم الآخرة في مقابل نعيم السلطة في الدنيا وعقابها في الآخرة. وفي هذا يقول ابن الجوزي: "وينبغي لمن أحب الولاية أن يعلم أنه إنما يتخايلها عظيمة ما لم ينلها، فإذا نالها هانت عنده، وسما إلى غيرها، فاللذة تزول، والأوزار تبقى، والمخاطرة بالنفس والدين، فالتفكر في هذه الأشياء علاج" (١). وقد أورد ابن الجوزي بعضًا من أحاديث رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - للتحذير من الفتنة بالسلطة وذلك بالورع والتقوى لمن تسلمها، فقال في ذلك: بسنده عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من رجلٍ يلي أمرَ عشرةٍ فما فوق ذلك إلا أتى الله -عز وجل- يومَ القيامةِ مغلولةٌ يده إلى عنقِه، فكه برُه، أو أوبقَه إثمُه، أولُها ملامةٌ، وأوسطَها ندامةٌ، وآخرُها خزيٌ يومَ القيامةِ" (٢).

ثم قال وعن أبي هريرة مرفوعًا: "ويلٌ للأمراءِ، ويلٌ للعرفاءِ، ويلٌ للأمناءِ ليتمنَينَّ أقوامٌ يومَ القيامةِ أن ذوائبَهم كانت معلقةً بالثريا يتذبذبون بين السماءِ والأرضِ ولم يكونوا عملوا على شيء" (٣).

"وفي أفراد مسلم (٤) من حديث أبي ذر قال: قلت يا رسول الله: ألا تستعملني؟ قال: فضربَ بيدِه على منكِبي. ثم قال: يا أبا ذر! إنك ضعيفٌ. وإنها أمانةٌ وإنها يومَ القيامةِ، خزيٌ وندامةٌ. إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه فيها" (٥). وعلى الرغم من وجود أحاديث نبوية


(١) المرجع السابق، ص ١٠١.
(٢) المرجع السابق، ص ١٠١.
(٣) المرجع السابق، ص ١٠١.
(٤) المرجع السابق، ص ١٠١ - ١٠٢.
(٥) مرجع سابق، النيسابوري. صحيح مسلم. الجزء الثالث، ص ١٤٥٧، كتاب الإمارة، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة، حديث رقم (١٦ - ١٨٢٥) ورقم (١٧ - ١٨٢٦).

<<  <   >  >>