للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يكاد أحد ينفك منه في باطنه، ولا يأثم الإنسان بوجود ذلك بل يأثم بالتمني لزوال النعمة عن أخيه المسلم" (١).

ومن خلال تحليل الباحثة لانفعال الحسد الذي ستوثقه بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية المناسبة، والتي لم يستشهد بها ابن الجوزي، ومن أقوال ابن الجوزي في الحسد يتضح لنا أن انفعال الحسد انفعال نفسي داخلي موجود عند كل الناس، ولكنه متفاوت من شخص إلى آخر حسب إيمانه بالقدر وحكمة الله -عز وجل- في توزيع النعم والأرزاق على الناس بأقدار متفاوتة، قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (٢)، كما يظهر لنا أن الحسد قد يكون ناتجًا من قلة حب الخير للناس جميعا، لذلك لا يكمل إيمان المرء حتى يحب لغيره ما يحب لنفسه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَ لأخيهِ ما يحبُ لنفسه" (٣)، فإذا فهم المسلم الحكمة الإلهية من ذلك، عاش راضيًا هانئًا سعيدًا بما وهبه الله من نعم سواء كثرت أو قلت، أما إذا لم يرض بحاله، وتذمر من حياته، وتفكر في نعم الله على غيره، وقلتها أو عدمها لديه، فإن هذا الإحساس سيصيبه بالألم الدفين، والقلق الدائم، والحزن الملازم والضيق والهمّ والغم، والتفكير العقيم في كيفية زوال نعم المحسود، فلا يهنأ له بال ولا يقر له قرار، ولا يذوق طعم الرضا والاطمئنان، هذه هي الأعراض الملازمة لداء الحسد وقد ذكرها ابن الجوزي بقوله: "الحسد يوجب طول السهر، وقلة الغذاء، ورداءة اللون، وفساد المزاج، ودوام الكمد" (٤).

وبسبب حب الحاسد للدنيا ومتعها، فإن الحسد لا يتم إلا في الأمور الدنيوية، وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "لا يقع الحسد إلا في أمور الدنيا، فإنك لا ترى أحدًا يحسد قوَّام الليل ولا صوَّام النهار، ولا


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. اللطائف والطب الروحاني. ص ١٠٥.
(٢) سورة النساء، الآية ٥٤.
(٣) مرجع سابق، العسقلاني. فتح الباري بشرح صحيح البخاري. الجزء الأول، ص ٥٧، كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، حديث رقم ١٣.
(٤) مرجع سابق، ابن الجوزي. اللطائف والطب الروحاني. ص ١٠٥.

<<  <   >  >>