للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإساءة، لا بمقدار الغضب" (١).

وقد قام الكثير من الأوائل بترجمة هذا القول إلى عمل، وبلغوا القمة في العدل عند الغضب، فقد أُتي عمر بن عبد العزيز برجل كان واجدًا عليه، فقال: لولا أني غضبان لضربتك، ثم خلى سبيله" (٢). وذلك حتى لا يدفعهم الغضب إلى ظلم الناس وإضاعة حقوقهم.

وكل ما سبق ذكره من الغضب المذموم الذي عالجه الإِسلام، وبالغ في التحذير منه لما يجره من عواقب وخيمةٍ، أما الغضب المحمود -فلم يذكره ابن الجوزي- وهو الغضب الذي يحبذه الإِسلام، ويدعو إليه، وطبقه رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - فيما روته السيدة عائشةَ -رضي الله عنها- أنها قالت: "ما خُيِّر رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه. وما انتقم رسول الله - صلي الله عليه وسلم - لنفسه في شيء قط، إلا أن تُنتهك حرمة الله، فينتقم بها لله" (٣).

وهكذا فإن الإِنسان المسلم مطالب بالغضب لله حين تنتهك حرمة من حرماته، أو يُعتدى على شعيرة من شعائر دينه، أو يُعطل حكمٌ من أحكامه، أو يستهزأ بآياته وحدوده، حتى يكون غضبه محمودًا لله وحده ولا يكون لنفسه.

٤ - حقيقة انفعال الحزن ومعالجته:

إن انفعال الحزن كغيره من الانفعالات، التي تجلب خيرًا أو تدفع ضرًّا، إذا كانت معتدلة دون إفراط، والحزن ضد الفرح والسرور.

وقد عرَّف ابن مسكويه الحزن بقوله: "ألم نفساني يعرض لفقد


(١) المرجع السابق، ص ١١١.
(٢) المرجع السابق، ص ١١١.
(٣) مرجع سابق، العسقلاني. فتح الباري بشرح صحيح البخاري. الجزء العاشر، ص ٥٢٤ - ٥٢٥، كتاب الأدب، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "يسروا ولا تعسروا". حديث رقم ٦١٢٦.

<<  <   >  >>