للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وينمى، ثم يتربى ويجتمع إليه مواد من الحرص، فكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج، والتمادي في الطمع، والفكر في الأماني، والحرص على الطلب، حتى يؤديه ذلك إلى الغم والقلق".

وقد عرَّفه الأصمعي بقوله: "إذا تقادحت الأخلاق المتشاكلة وتمازجت الأرواح المتشابهة، ألهبت لمع نور ساطع، يستضيء به العقل وتهتز لإشراقه طباع الحياة، ويتصور من ذلك النور خلق خاص بالنفس متصل بجوهريتها، يسمى العشق".

أما ابن الجوزي فقد عرفه بقوله: "إن العشق شدة ميل النفس إلى صورة تلائم طبعها، فإذا قوى فكرُها فيها تصورت حصولها وتمنت ذلك، فيتجدد من شدة الفكر مرض" (١).

٢ - أسباب العشق:

وقد استخلص ابن الجوزي من مجموع هذه التعاريف وغيرها، أسباب العشق فقال: "سبب العشق مصادفة النفس ما يلائم طبعها، فتستحسنه وتميل إليه، وأكثر أسباب المصادفة النظر، ولا يكون ذلك باللمح بل بالتثبت في النظر ومعاودته، فإذا غاب المحبوب عن العين طلبته النفس ورامت القرب منه، ثم تمنت الاستمتاع به، فيصير فكرها فيه، وتصويرها إياه في الغيبة حاضرًا، وشغلها كله به، فيتجدد من ذلك أمراض لانصراف الفكر إلى ذلك المعنى، وكلما قويت الشهوة البدنية قوي الفكر في ذلك" (٢).

٣ - علاج العشق:

لقد اعتبر ابن الجوزي العشق مرضًا من الأمراض القلبية، التي تأتي من مداومة النظر، ومن شباب الإنسان وشهوته، وهو بذلك يخالف من رد أسباب العشق إلى السمع وذكر محاسن المحبوب. وفي ذلك يقول: "من احتمى عن التخليط بغضّ البصر وكفّ النظر سلم من هذا


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. ذم الهوى. ص ٢٨٩ - ٢٩٠، ٢٩٢ - ٢٩٣.
(٢) المرجع السابق، ص ٢٩٦.

<<  <   >  >>