للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليها" (١). فإذا انقادت النفس البشرية، وسهل سلوكها على الطريقة الصحيحة، فقد نجح في تهذيبها، فإن مالت عن الحق والصواب ورغبت في الشهوات، فعليه بمبدأ التدرج، وذلك بأن يردَّها ردًّا جميلًا باللطف واللين، فإن أبت إلا الاستزادة من الشهوات فعليه بالحزم معها حتى يكبح جماحها. وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "فإذا رآها قد مالت ردها باللطف، فإن واتتْ وآبت، وإلا فبالعنف" (٢). ثم شبه النفس البشرية بالزوجة العاصية لزوجها، التي استخدم القرآن الكريم معها أساليب عدة لتقويمها وردها عن عصيانها ونشوزها، بالوعظ والنصيحة أولًا ثم بالهجر في الفراش ثانيًا، فإن لم تستقم فبالضرب غير المبرح لقول الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} (٣).

وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "ويحبسها في مقام المداراة كالزوجة التي مبني عقلها على الضعف والقلة، فهي تُدارى عند نشوزها بالوعظ، فإن لم تصلح فبالهجر، فإن لم تستقم، فبالضرب" (٤). وقد اعتبر ابن الجوزي الإرادة القوية، والعزيمة الصادقة أفضل مقوَّم ومهذب للنفس البشرية، لأنها تأخذها بالعمل الإيجابي البناء وبالعزيمة الجَادة في الإصلاح. وفي ذلك يقول: "وليس في سياط التأديب أجود من سوط عزم. هذه مجاهدة من حيث العمل" (٥). ومع هذه الإرادة القوية والعزيمة الصادقة لابد من وجود ضابطٍ حكيمٍ، وموجهٍ قديرٍ، يضبط ويوجه ويكبح جماح النفس الأمارة بالسوء، وليس أفضل من عقلٍ رشيدٍ، وفكرٍ مستقيمٍ، يقوم بهذا الدور القيادي في تهذيب النفس البشرية، وضبط الإنفعالات. وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "وأعطي الإنسان العقل كالمؤدب يأمره بالعدل فيما يجتَلب ويُجتَنب" (٦)، "فمن قوي


(١) المرجع السابق، ص ١٤١.
(٢) المرجع السابق، ص ٦٧.
(٣) سورة النساء: الآية ٣٤.
(٤) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٦٧.
(٥) المرجع السابق، ص ٦٧.
(٦) مرجع سابق، ابن الجوزي. تلبيس إبليس. ص ٢٣.

<<  <   >  >>