للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأذهان، استطاع المرء أن يعطيها حاجاتها الفطرية الضرورية دون نقصٍ أو حرمانٍ بغيضٍ.

ثم بين ضرر الإفراط أو التفريط في معاملة النفس البشرية بقوله: "ربَّ شدَّ أوجب استرخاء وربَّ مضيق على نفسه فرت منه فصعب عليه تلافيها" (١)، وإنما المطلوب في رياضتها إعطاؤها ما تحتاجه باعتدالٍ واتزانٍ ودون تقتير أو إسرافٍ.

الثالث: قيادة النفس البشرية بعقليةٍ مؤمنةٍ حكيمةٍ:

لقد ذكر ابن الجوزي نتائج معاملة النفس البشرية بإفراط أو تفريطٍ، وما تركته من آثارٍ سيئةٍ، فقال: "فإن أقوامًا أطلقوها فيما تحب، فأوقعتهم فيما كرهوا. وإن أقوامًا بالغوا في خلافها حتى منعوها حقها وظلموها وأثّرَ ظلمهم لها في تعبداتهم، فمنهم من أساء غذاءها فأثر ذلك ضعف بدنها عن إقامة واجبها. ومنهم من أفردها في خلوةٍ أثمرت الوحشة من الناس وآلت إلى ترك فرضٍ أو فضل من عيادة مريضٍ أو بر والدة" (٢). لذلك لابد أن نعاملها كما نعامل المريض، الذي يتجرع الدواء بما فيه من مرارةٍ من أجل الصحة والعافية، فيقول في ذلك: "وإنما الجهاد لها كجهاد المريض العاقل، يحملها على مكروهها في تناول ما ترجو به العافية، ويذوِّب في المرارة قليلًا من الحلاوة، ويتناول من الأغذية مقدار ما يصفه الطبيب" (٣). ثم شبه الإِنسان المؤمن الحكيم الخبير بكيفية معاملة النفس البشرية، كالفارس الذي يروض حصانًا شرسًا، وبيده مقوده يحركه كيف يشاء، ثم قال "فكذلك المؤمن العاقل لا يترك لجامها ولا يهمل مقودها، بل يرخي لها في وقت والطِّولَ بيده، فما دامت على الجادة لم يضايقها في التضييق عليها" (٤). وهو أيضًا في قيادها "كالملِك إذا مازح بعض جنده، فإنه لا ينبسط إليه الغلام، فإن انبسط ذكر هيبة المملكة. فكذلك المحقق يعطيها حظها ويستوفي منها ما


(١) المرجع السابق، ص ٦٧.
(٢) المرجع السابق، ص ١٤١.
(٣) المرجع السابق، ص ٦٧.
(٤) المرجع السابق، ص ٦٧.

<<  <   >  >>