للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مدخلًا من مداخل الشيطان التي يفسد بها على الإِنسان دينه، ويمنع النفس من التمتع بالمباح الذي يقويها على العبادة بمفهومها المطلق. "فحرم فئة على أنفسهم بعض ما أحلّ الله، ظنًّا منهم أن ذلك قربة إلى الله، وكان القائد الرسول - صلى الله عليه وسلم - يسمع هذه التصورات الغريبة عن روح الإسلام، فكان يسدّ ذلك المدخل الشيطاني ويعدل الاعوجاج" (١) فهذه قصة ثلاثة رهط جاؤوا "إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أُخبِروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحنُ من النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غفَر الله له ما تقدّمَ من ذنبه وما تأخَّر، قال أحدُهم: أما أنا أصلي الليلَ أبدًا، وقال الآخر: أنا أصَومُ الدهرَ ولا أفطرُ، وقال الآخرُ: أنا أعتزلُ النساءَ فلا أتزوجُ أبدًا فجاء رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أنتم الذين قلتُم كذا وكذا: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصومُ وأفطرُ وأصلي وأرقدُ وأتزوجُ النساءَ، فمن رغبَ عن سنتي فليس مني" (٢)، ولنا في رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قدوة حسنة في التمتع بطيبات الدنيا دون إفراطٍ أو تفريطٍ.

والوجه الثاني: قال فيه ابن الجوزي: "أننا قد كُلّفنا حفظَها، ومن أسباب حفظها ميلها إلى الأشياء التي تقيمها، فلابد من إعطائها ما يقيمها وأكثر ذلك أو كلِّه مما تشتهيه. ونحن كالوكلاء في حفظها. لأنها ليست لنا بل هي وديعة عندنا، فمنعها حقوقها على الإطلاق خطر" (٣).

وقد أوضح ابن الجوزي أن البعض قد يفهم خطأ أن نفسه ملكه، وهو يعاملها كما يزين له الشيطان، وليس حسب طبيعتها البشرية التي خلقها الله عليها. لذلك لابد من تصحيح هذا الفهم الخاطئ، وهو أن الله تعالى قد جعل نفس الإِنسان وديعةً وأمانةً لديه، وأنه مكلّفَ حفظهَا وصيانتَها ووقايتَها بما يكفَل لها السير الصحيح في الحياة الدنيا، وبما يساعدها على أداء مهمة الخلافة في الأرض، وإذا وضح هذا المفهوم في


(١) البلالي، عبد الحميد. البيان في مداخل الشيطان. بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، ١٤٠٠ - ١٩٨٠ م، ص ٩٥.
(٢) مرجع سابق، العسقلاني. فتح الباري بشرح صحيح البخاري. الجزء التاسع، ص ١٠٤، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، حديث رقم ٥٠٦٣.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٦٧.

<<  <   >  >>