للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومجانبة إغراء الشيطان وتضليلاته في ذلك:

لقد ناقش ابن الجوزي تهذيب النفس البشرية من جانبين قد يخفى على الإِنسان المسلم، أنهما سبب هلاكه، بسبب جهله وسوء فهمه للمعنى الحقيقي من مجاهدة النفس التي تهدف إلى إشباع حاجات الإِنسان الفطرية، بطريقةٍ معتدلةٍ تساعده في أداء مهمة الخلافة الأرضية، ذلك "أنه لا يكبت رغائبها فيقتل حيويتها، ويبدد طاقتها، ويشتت كيانها. فلا تعمل، ولا تنتج ولا تصلح لعمارة الأرض وترقية الحياة. وفي الوقت ذاته لا يطلق رغائبها بلا ضوابط، لأن ذلك يبدّد طاقتها من جانب آخر، ويبدّدها في نشاط الحيوان وعلى مستوى الحيوان" (١).

وهذان الجانبان وضحهما ابن الجوزي في قوله: "تأملت جهاد النفس فرأيته أعظم الجهاد، ورأيت خلقًا من العلماء والزهاد لا يفهمون معناه، لأن فيهم من منعها حظوظها على الإطلاق، وذلك غلط من وجهين:

أحدهما: أنه ربَّ مانع لها شهوةً أعطاها بالمنع أوفى منها. مثل أن يمنعها مباحًا فيشتهر بمنعه إياها ذلك، فترضى النفس بالمنع لأنها قد استبدلت به المدح. وأخفى من ذلك أن يرى -بمنعه إياها ما منع- أنه قد فُضِّل عن سواه ممن لم يمنعها ذلك، وهذه دفائن تحتاج إلى منقاش فهمٍ يخلّصها" (٢).

وهنا يبين ابن الجوزي أن الفهم الخاطئ لمعنى الزهد ثم لطبيعة النفس البشرية المفطورة على حب الشهوات، قد يؤدي إلى هلاكها، وذلك بمنعها من المتع الدنيوية المباحة، فتستسلم النفس لذلك المنع وهي مكرهة. . . لأن الشيطان يزين للإنسان الباطل، فقد "خُلق الشيطانُ محرضًا له على الإسرافِ في اجتلابهِ واجتنابهِ" (٣)، حيث صوره على أنه شيء ممدوح من قبل الآخرين وأنه بذلك وصل إلى مرتبةٍ أفضل من غيره، فتصير النفس متأذيةً من هذا المنع الذي حرمها مباحًا وهذا يعتبر


(١) مرجع سابق، قطب، محمد. منهج التربية الإسلامية. الجزء الأول، ص ١٤٥.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٦٧.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. تلبيس إبليس. ص ٢٣.

<<  <   >  >>