للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى، فقد جعل لها ضابطًا من الشرع فيه الرخصة (١) والعزيمة (٢) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى يحبُ أن تؤتى رخصُه، كما يكرهُ أن تؤتى معصيتُه" (٣). وما خُيِّر رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا كما أنه جعل من العلم والمعرف بحقائق وأحكام الشريعة الإسلامية خير مرشد ومقوَّم للنفس البشرية، لأن الجهل بالشريعة ومقاصدها، يدفع المرء إلى سوء الفهم والتطبيق فيعتقد أن تهذيب النفس في تعذيبها وإذلالها بمنعها من حاجاتها الفطرية الأساسية الضرورية لبقاء الإِنسان، وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "غير أن لنا ضابطًا هو الشرع، فيه الرخصة وفيه العزيمة، فلا ينبغي أن يلام من حصر نفسه في ذلك الضابط. وربُ رخصةٍ كانت أفضل من عزائم لتأثير نفعها. ولو علم المتزهدون أن العلم يوجب المعرفة بالله تعالى، فتَنْبَتُ القلوب من خوفه، وتنحل الأجسام للحذر منه، فوجب التلطف بالأجسام حفظًا لقوة الراحلة. ولأن آلة العلم والحفظ. القلب والفكر، فإذا رُفِّهت الآلة جاد العمل، وهذا أمر لا يُعلم إلا بالعلم. فلجهل المتزهدين بالعلم أنكروا ما لم يعلموا. وظنّوا أن المراد إتعاب الأبدان، وإنضاء الرواحل، وما علموا أن الخوف المضني يحتاج إلى راحة مقاومةٍ، كما قال القائل: "روحوا القلوب تعيِ الذكر" (٤). لذلك ينبغي الأخذ بالرخصة والعزيمة معًا.

الثاني: إشباع الحاجات الأساسية باعتدالٍ دون إفراطٍ أو تفريطٍ،


(١) معنى الرخصة: "في اللغة: اليسر والسهولة، وفي الشريعة: اسم لما شرع متعلقًا بالعوارض أي ما استبيح بعذرٍ مع قيام الدليل المحرم، وقيل: هي ما بُني أعذار العباد عليه". مرجع سابق، الجرجاني. كتاب التعريفات (حققه وقدم له ووضع فهارسه) الأبياري، إبراهيم، ص ١٤٧.
(٢) معنى العزيمة: "في اللغة: عبارة عن الإرادة المؤكدة، قال الله تعالى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} أي يكن له قصد مؤكد في الفعل بما أُمر به، وفي الشريعة: اسم لما هو أصل المشروعات، غير متعلق بالعوارض". المرجع السابق، ص ١٩٤.
(٣) ابن حنبل، أحمد. المسند وبهامشه منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال. بيروت، المكتب الإِسلامي، الطبعة الخامسة، ١٤٠٥ هـ - ١٩٨٥ م، الجزء الثاني، ص ١٠٨.
(٤) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٩٦.

<<  <   >  >>