وصف ابن الجوزي مراحل خلق الإنسان في بطن أمه، وصفًا علميًّا في مجمله، مستندًا إلى الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، وإن كان يفتقد الدقة العلمية في بعض ألفاظه ومعلوماته. وهذا شيء يعذر فيه لأن كثيرًا من الحقائق العلمية في هذا المجال لم تكتشف في عصره، وإن كان تدبر القرآن الكريم وفهمه العميق من قبل ابن الجوزي -وغيره من العلماء المسلمين- قد صحح معلوماتهم وأوصلهم إلى معلومات علمية في مجملها، تتفق مع ما وصل إليه العلم الحديث من خلال مشاهداته الدقيقة المستمرة المتتابعة بواسطة الأجهزة المكبرة ذات القدرة العالية جدًا على التكبير.
والآن سنقوم بعرض مراحل نمو الجنين، من خلال آراء ابن الجوزي مقارنة بالكتابات العلمية في هذا المجال.
قال ابن الجوزي:"أول الأحوال الحادثة في المني أن يكون له زبد، ثم يوجد النفخ مندفعًا إلى وسط الرطوبة، إعدادًا لمكان القلب، ثم تتميز الأعضاء، ويتنحى بعضها عن مماسة بعض، ويحيط بالجنين ثلاثة أغشيةٍ: غشاء تنسج فيه العروق، وغشاء ينصب فيه بول الجنين، وغشاء يجمع الرطوبة التي ترشح من الجنين"(١).
ولتحليل هذا الرأي في ضوء علم الأجنة، من خلال قول ابن الجوزي:"أول الأحوال الحادثة في المني أن يكون له زبد ثم يوجد النفخ مندفعًا إلى وسط الرطوبة، إعدادًا لمكان القلب، ثم تتميز الأعضاء ويتنحى بعضها عن مماسة بعض".
يغلب على عبارة ابن الجوزي البعد عن الدقة العلمية في لفظة يوجد النفخ، لأن المني يكون له زبد أو رغوة، ويكون مندفعًا ليس له نفخ، وفي ذلك يقول د. محمد البار: "فالحيوان المنوي صغير الحجم يشبه القذيفة الصاروخية، وله رأس مصفح مدبب، وله ذيل طويل
(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. التبصرة. (تحقيق) عبد الواحد، د. مصطفى، الجزء الثاني، ص ١٥٩.