للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السماوات والأرض، ومعرفة الخالق تبارك وتعالى. قال ابن الجوزي: "وأول ما ينبغي النظر فيه: معرفة الله تعالى بالدليل، ومعلوم أن من رأى السماء مرفوعة، والأرض موضوعة، وشاهد الأبنية المحكمة، خصوصًا في جسد نفسه، علم أنه لابد للصنعة من صانع، وللمبني من بانٍ" (١).

وقد استدل على ذلك من الآيات القرآنية، التي تدعو إلى النظر والتدبر في ملكوت السماوات والأرض، قال الله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} (٢).

ثم بعد معرفة الخالق من خلال مخلوقاته، يُوجه لمعرفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والكتاب المنزل عليه. وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "ثم يتأمل دليل صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إليه وأكبر الدلائل القرآن، الذي أعجز الخلق أن يأتوا بسورة من مثله، فإذا ثبت عنده وجود الخالق جل وعلا، وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وجب تسليم عنانه إلى الشرع، فمتى لم يفعل ذلك دل على خلل في اعتقاده" (٣).

في هذه النقطة ينصح ابن الجوزي بلفت نظر الطفل إلى إعجاز القرآن الكريم، ولكنه لم يوضح السن المناسبة، والطريقة الصحيحة التي يتم من خلالها توصيل الشعور بهذا الإعجاز القرآني إليه، بحيث يدركه الطفل، وتتحرك مشاعره نحو الله تعالى لتقديره وتقديسه والإيمان به، وأعتقد أن هذه النقطة ممكن تأجيلها إلى مرحلة لاحقة حتى تكبر مدارك الطفل ويستوعب هذا الإعجاز بوعي وفهم واقتناع. فإذا تأكد المربي من فهم الطفل لهذين الأمرين، واستوثق من يقينه بالله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وكتابه الكريم، فعليه أن يعلمه الفرائض والواجبات التي يحتاجها في حياته اليومية، وقد قال في ذلك ابن الجوزي: "ثم يجب عليه أن يعرف ما يجب عليه من الوضوء والصلاة والزكاة -إن كان له مال- والحج


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. لفتة الكبد إلى نصيحة الولد. ص ٤٤.
(٢) سورة الغاشية، الآية ١٧ - ٢٠.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. لفتة الكبد إلى نصيحة الولد. ص ٤٤.

<<  <   >  >>