للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأحاديث التي تخاطب العاطفة والوجدان، فتنفعل بها النفس البشرية، وتحفزها للعمل بها، وفي هذا يقول ابن الجوزي: "رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب، إلا أن يمزج معناها بالرقائق والنظر في سير السلف الصالحين. لأنهم تناولوا مقصود النقل وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها .. ولا يصلح العمل مع قلة العلم" (١). كما حبذ ابن الجوزي تعليم الطفل الشعر العفيف، الذي يُنبت في قلبه العفة والطهر، والشعر الذي يحث على مكارم الأخلاق، وفضائل الأعمال، ومعالي الأمور، حتى ينشأ الطفل كريم النفس، قويم الخلق، عالي الهمة. ويجُنب شعر الغزل حتى لا يفسد الطفل، ويكون همه إشباع الشهوات، والجري وراء الملذات. وقال في ذلك: "وليجننه أشعار الغزل، لأنها بذور الفساد، ولا يمنع من أشعار السخاء والشجاعة ليمجد وينجد" (٢).

ونلاحظ أن المنهج التعليمي الذي وضعه ابن الجوزي، يركز على العلوم الإسلامية، وينتقد بشدة من يقضي عمره في تعلم العلوم التي لا تفيد، لأنه يرى أن يبدأ بالأهم من العلوم ثم المهم، وقال في ذلك: "وإن كان كل العلوم حسنًا، ولكن الأولى تقديم الأهم والأفضل" (٣) وذلك لأنه -كما يقول أيضًا: "قد علم قصر العمر وكثرة العلم" (٤). لذلك ينبغي أن يركز على العلوم التي تهدف إلى مرضاة الله تعالى، وقال في ذلك: "ثم ينظر في مقصود العلوم، وهو المعاملة لله سبحانه والمعرفة به والحب له" (٥).

وهنا لنا وقفة في تركيز ابن الجوزي على تعليم العلوم الإسلامية واعتبارها الوحيدة المؤدية لمرضاة الله تعالى، مع أن جميع العلوم الأُخرى غير الدينية كالفيزياء والهندسة وغيرها تؤدي إلى مرضاة الله تعالى إذا نوى الإنسان ذلك. وبسبب هذا الفهم الخاطئ تعثرت الأُمة الإِسلامية


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٢١٦.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. اللطائف والطب الروحاني. ص ١٣٤.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ١٧٨.
(٤) المرجع السابق، ص ١٦٩.
(٥) المرجع السابق، ص ٣١٠.

<<  <   >  >>