للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يداوى بدوائها ولا تهمل فإنها تجر أمورًا صعبة" (١).

هذه أهم الأمور التي ينبغي الأخذ بها عند تربية وخلقيًا لمنعه من الوقوع في الزلل والخطأ.

كذلك ينبغي معاملة البالغ معاملةَ طيبة، مبنية على التقدير والاحترام لرأيه، ومناقشته ومحاولة إقناعه بكل ما يدور في ذهنه، مع مراعاة اجتناب ضربه أو إساءة معاملته حتى لا يتمرد أو ينحرف، لأنه في سن حرجة، يغلب عليها التهور والطيش، وقد قال فيها ابن الجوزي: "ولا ينبغي أن يُضرب بعد بلوغه، ولا أن يساء إليه، لأنه حينئذ يتمنى فقد الوالد ليستبد برأي نفسه، ومن بلغ ست عشرة سنة ولم يصلح، فبعيد صلاحه، إلا أن الرفق متعين بالكل" (٢).

ثم بين ابن الجوزي أن من مظاهر هذه المرحلة، أن يتزوج البالغ ثم يرزق الأطفال، فيسعى في الأرض لتأمين قوت عياله، وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "فإذا بلغ ليعلم أنه زمان المجاهدة للهوى، وتعلم العلم، فإذا رزق الأولاد فهو زمان الكسب للمعاملة" (٣).

ونلاحظ مما سبق أن ابن الجوزي ركز في هذه المرحلة على التربية الجنسية للبالغ، وسكت هنا عن الاهتمام بالنواحي الأُخرى، ربما لأنها الجانب البارز في هذه المرحلة، فأعطاها الاهتمام اللازم بها، والذي يبدو لي، أن التربية كانت تركز -في ذلك الوقت- على تأهيل البالغ ليكون مسؤولًا عن الأسرة، مع أن الاهتمام بالجوانب الأُخرى من التربية وسيلة للرقي به، والتسامي على الأهواء والشهوات، ومن الوسائل التربوية المباشرة التي استخدمها ابن الجوزي في ذلك، أسلوب الكتابة والتأليف، فوجه رسالة أبوية لابنه محمد المكنى بأبي القاسم في كتابه لفتة الكبد إلى نصيحة الولد. وابن الجوزي إن كان اتخذ تأليفها وسيلة لتربية ولده، فهو في الوقت نفسه عرض لنا أمورًا تربوية كثيرة، بل منهجًا تربويًا متميزًا جديرًا بأن يدرس بعناية ويُكشف للناس فينتفع به المربون وينتفع به


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. اللطائف والطب الروحاني. ص ١٣٧.
(٢) المرجع السابق، ص ١٣٤.
(٣) ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٢٦٥.

<<  <   >  >>