للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناشئون أيضًا، فالنفع للفريقين جميعًا.

وقد ظهر حرص ابن الجوزي في نقل حصيلة علمه وخبرته وتجاربه إلى ولده، ليحدد له الطريق الصحيح في العلم والعمل به، ويحذره من مغبة السقوط في الخطأ والزلل، ولاسيما عندما ظهر عليه بعض التهاون والتكاسل، فاستدركه بهذه الرسالة. فقال فيها: "ثم رأيت منه نوع توانٍ عن الجدّ في طلب العلم، فكتبت له هذه الرسالة، أحثه بها، وأحرضه على سلوك طريقي في كسب العلم، وأدله على الالتجاء إلى الموفق -سبحانه وتعالى" (١).

وقد ضمن ابن الجوزي رسالته الأبوية، الكثير من التوجيهات التربوية، التي تتعلق بالعقل وتدبره في إدراك الغاية من وجود الإنسان، وما عليه من فرائض وواجباب، وأهم العلوم التي ينبغي أن يتعلمها وأوقاتها وأخلاقياتها وأهميتها في حياته، والحرص على الوقت في أداء الأعمال الصالحة، مع الاستعداد للآخرة، بالإضافة إلى توجيهه إلى بعض الرقائق كالزهد والإخلاص والسعي للكمال في كل شيء، مع العلم والعمل به. (ولا يسعنا المجال هنا لذكر آرائه التربوية بالتفصيل، فإنه سيرد بعضها في أبواب وفصولٍ أُخرى، حسب مناسبتها للموضوع).

ولم يكتفِ ابن الجوزي بكتابة هذه الرسالة التربوية، بل حث على أهمية التأليف ودوره في توجيه المتعلمين فقال: "رأيت من الرأي القويم، أن نفع التصانيف أكثر من نفع التعليم بالمشافهة. لأني أشافه في عمري عددًا من المتعلمين، وأشافه بتصنيفي خلقًا لا تحصى ما خُلقوا بعدُ. ودليل هذا أن انتفاع الناس بتصانيف المتقدمين أكثر من انتفاعهم بما يستفيدونه من مشايخهم" (٢). وليس معنى هذا أن جميع الناس مدعوون للكتابة والتأليف، بل من تتوافر فيه صفات خاصة، حتى يفيد بعلمه الناس؛ وفي هذا يقول ابن الجوزي: "فينبغي للعالم أن يتوفر على التصانيف إن وفق للتصنيف؛ فإنه ليس كل من صنفَ، صنف، وليس المقصود جمع شيء كيف كان، وإنما هي أسرار يطلع الله -عز وجل- عليها


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. لفتة الكبد إلى نصيحة الولد. ص ٤٢.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٢٢٨.

<<  <   >  >>