للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قدرة العقل الفطرية، التي تميزت بالإدراك والوعي لعواقب الأمور، الضابطة لشهوات الإنسان ودوافعه من الانجراف في تيار اللذة الوقتية العاجلة.

المعنى الخامس: الوسيلة لمعرفة الله تعالى، وقال فيه: هو "الآلة في تحصيل معرفة الإله، وبه تضبط المصالح، وتلحظ العواقب، وتدرك الغوامض، وتجمع الفضائل" (١). بمعنى أن العقل هو الأداة والوسيلة لمعرفة الله -عز وجل-، ثم اتباع شرعه، واجتناب نهيه.

ويمكن جمع المعاني التي تدل على العقل في نظر ابن الجوزي في تعريفٍ موجزٍ يدل عليه، وهو أن العقل: هو القوة والطاقة الفطرية التي تميز الإنسان عن الحيوان، في معرفته لله تعالى وما يترتب على هذه المعرفة من الإلمام بالأحكام والتكاليف الشرعية، وإدراك العواقب المترتبة على عدم تحكيم شرع الله وتنفيذه. كما أن العقل الواعي المدرك المميز، يستطيع أن يتعلم ويكتسب السلوكيات الفاضلة، ويضبط دوافع الإنسان وشهواته من الزلل.

هـ - درجات العقل عند ابن الجوزي:

لقد كرّم الله تعالى الإنسان بالعقل البشري، الذي يعتبر وسيلة إرسالٍ واستقبالٍ لكل ما يدور في حياته، وما يحيط به في الكون. والناس يختلفون في قدراتهم العقلية، كل حسب ما أعطاه الله تعالى، وقد قال ابن الجوزي في ذلك: "الناس يتفاوتون في العقل وجوهره ومقدار ما أُعطُوا منه" (٢) وقوله أيضًا: "العقلاء يتفاوتون في موهبة العقل ويتباينون في تحصيل ما يَثقَفه من التجارب والعلم" (٣).

ونظرًا إلى وجود هذه الفروق الفردية بين الناس، فقد رأى ابن الجوزي ضرورة مراعاتها في التعليم فقال: "من المخاطرات العظيمة تحديث العوامّ بما لا تحتمله قلوبهم أو بما قد رسخ في نفوسهم


(١) المرجع السابق، ص ١.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. أخبار الحمقى والمغفلين. ص ٢٥.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. الأذكياء. ص ١.

<<  <   >  >>