للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنوع الثاني قال فيهم: "وأما المتوسطون والمشهورون، فأكثرهم يغشى السلاطين، ويسكت عن إنكار المنكر، وقليل من العلماء من تسلم له نيته ويحسن قصده" (١).

والنوع الثالث من العلماء، من قصد وجه الله تعالى بعلمه، وقد قال فيه ابن الجوزي: "فمن أراد الله به خيرًا رزقه حسن القصد في طلب العلم، فهو يحصّله لينتفع به وينفع ولا يبالي بعملٍ مما يدله عليه العلم. فتراه يتجافى عن أرباب الدنيا، ويحذر مخالطة العوام ويقنع بالقليل خوفًا من المخاطرة في الدنيا في تحصيل الكثير، ويؤثر العزلة؛ فليس مذكِّرًا للآخرة مثلُها. وليس على العلم أضرّ من الدخول على السلاطين، فإنه يحسن للعالم الدنيا ويهون عليه المنكر" (٢).

والعزلة التي يحبذها ابن الجوزي، هي التي تجعل "علم العالم مؤنسه، وكتبه محدّثه، والنظر في سير السلف مقومه، والتفكر في حوادث الزمان السابق فرجته" (٣).

فإذا فهم العزلة بهذه الطريقة، فإنه -كما قال ابن الجوزي: "ترقّى بعلمه إلى مقام المعرفة الكاملة للخالق سبحانه، وتشبث بأذيال محبته، فتضاعفت لذّاته، واشتغل بها عن الأكوان وما فيها، فخلا بحبيبه وعمل معه. بمقتضى علمه" (٤).

ب - مفهوم العلم والهدف منه في نظر ابن الجوزي:

إن الهدف من العلم هو العمل به، ولا قيمة للعلم ما لم يترجم إلى سلوكٍ عملي، ويكون له أثر إيجابي في حياة الفرد والمجتمع. ولابن الجوزي في هذا المعنى أقوال عدة منها: "ليس العلم بمجرد صورته هو النافع، بل معناه، وإنما ينال معناه من تعلمه للعمل به" (٥). وقوله:


(١) المرجع السابق، ص ٣٤٢.
(٢) المرجع السابق، ص ٣٤٢.
(٣) المرجع السابق، ص ٢٦٣.
(٤) المرجع السابق، ص ٢٦٣.
(٥) المرجع السابق، ص ١٥٧.

<<  <   >  >>