للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"وإنما عندهم صور ألفاظ يعرفون بها ما يحلّ ويحرم، وليس كذلك العلم النافع. إنما فهم الأصول ومعرفة المعبود وعظمته وما يستحقه، والنظر في سير الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، والتأدب بآدابهم، وفهم ما نقل عنهم، هو العلم النافع الذي يدع أعظم العلماء أحقر عند نفسه من أجهل الجهال" (١).

وليؤيد ابن الجوزي رأيه في حقيقة العلم، واختلاف الناس في فهمه ومعناه، أورد أمثلةً لبعض العلماء الذين اشتغلوا بصورة العلم دون فهم حقيقته ومقصوده. فقال في المقرئين: "فالقارئ مشغول بالروايات، عاكف على الشواذّ، يرى أن المقصود نفس التلاوة، ولا يتلمح عظمة المتكلم، ولا زجر القرآن ووعده. وربما ظن أن حفظ القرآن يدفع عنه، فتراه يترخص في الذنوب، ولو فهم لَعَلِمَ أن الحجة عليه أقوى ممن لم يقرأ" (٢).

ثم عرض لنموذج ثانٍ من العلماء وهم المحدثون فقال فيهم: "والمحدث يجمع الطرق، ويحفظ الأسانيد، ولا يتأمل مقصود المنقول، ويرى أنه قد حفظ على الناس الأحاديث، فهو يرجو بذلك السلامة، وربما ترخص في الخطايا ظنًا منه أن ما فعل في خدمة الشريعة يدفع عنه" (٣). وأخيرًا عرض لنموذج الفقيه، فقال فيه: "والفقيه قد وقع له أنه بما قد عرف من الجدال الذي يقوى به على خصامه، أو المسائل التي يفتي بها الناس ما يرقع قدره، ويمحو ذنبه فربما هجم على الخطايا ظنًّا منه أن ذلك يدفع عنه. وربما لم يحفظ القرآن ولم يعرف الحديث، ولم يدرِ أنهما ينهيان عن الفواحش بزجرٍ ورفقٍ. وينضاف إليه مع الجهل بهما حب الرياسة، وإيثار الغلبة في الجدل، فتزيد قسوة قلبه" (٤). ونتيجة لهذا الفهم الخاطئ، فإنه يكسبهم الكبر والحماقة كما قال ابن الجوزي: "وعلى هذا أكثر الناس، صور العلم عندهم صناعة، فهي تكسبهم الكبر


(١) المرجع السابق، ص ٣١٣.
(٢) المرجع السابق، ص ٤٣٦.
(٣) المرجع السابق، ص ٤٣٦.
(٤) المرجع السابق، ص ٤٣٦ - ٤٣٧.

<<  <   >  >>