للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحماقة" (١)، أما الفهم الصحيح لحقيقة العلم ومقصوده فإنه يزيد من إيمان الفرد لله تعالى، قال ابن الجوزي: "وهؤلاء لم يفهموا معنى العلم، وليس العلم صور الألفاظ، إنما المقصود فهم المراد منه، وذاك يورث الخشية والخوف، ويرى المنة للمنعم بالعلم، وقوة الحجة له على المتعلم" (٢).

وإذا تأملنا رأي ابن الجوزي، أدركنا أنه وصل إلى فهم حقيقة العلم، التي لم ندركها تمامًا في واقع تعليمنا المعاصر، الذي ركز على الكم لا الكيف، وعلى الشهادة العلمية، والدرجة الوظيفية، أكثر من اهتمامه بفهم العلم وحقيقته، والذي نلاحظه أن ابن الجوزي ركز على العلوم الشرعية واعتبرها من العلوم النافعة، وأهمل العلوم الكونية التي عن طريقها تتم عمارة الأرض بما يرضي الله تعالى ما عدا اهتمامه بعلم الطب وذكر فائدته بل ألف فيه، ونتيجة هذا الفهم الذي سار عليه معظم علماء السلف الأجلاء -رحمهم الله- ابتعد الناس عن تعلم هذه العلوم المفيدة، فتخلفت الأمة الإسلامية تخلفًا خطيرًا أدى إلى اعتمادها على الغرب، وعجزها عن مواكبة التقدم الحضاري.

جـ - سمات العلم النافع في نظر ابن الجوزي:

قبل أن نحدد سمات العلم النافع، لابد من معرفة المقصود بالعلم النافع، وهو "العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله المقتضي لخشيته ومهابته وإجلاله والخضوع له ومحبته ورجائه ودعائه والتوكل عليه ونحو ذلك، فهذا هو العلم النافع" (٣). وهذا هو العلم الذي يُعرف بعلم القلب. ويرى ابن الجوزي أن العلم النافع هو الذي يؤدي إلى معرفة الله تعالى وأحكامه وتشريعاته في جميع جوانب الحياة، ومن خلال هذه المعرفة، يسعى الإنسان للتمسك بكل فضيلة حثَّ عليها الإسلام والابتعاد عن كل رذيلة نهى عنها. فقال: "ينبغي أن يطلب الغاية في معرفة الله تعالى ومعاملته، وفي الجملة، لا يترك فضيلة يمكن تحصيلها


(١) المرجع السابق، ص ٤٣٧.
(٢) المرجع السابق، ص ٤٣٨.
(٣) مرجع سابق، البغدادي. زين الدين. جامع العلوم والحكم. ص ٣٠٠.

<<  <   >  >>