للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيتنغص عيشه، ويقوى قلقه، فعنده بالحالين (١) شغل عن الدنيا وما فيها، فقلبه هائم في بيداء الشوق تارة، وفي صحراء الخوف أخرى" (٢).

لذلك فالمطلوب من المرء أن يجعل تذكره للموت إيجابيًا، يدفعه لزيادة رصيده من الأعمال الصالحة، والحسنات الكثيرة، وقد قال في ذلك ابن الجوزي: "ولا ينبغي أن يقع جزع بذكر البلى، فإن ذلك شأن المركب، أما الراكب ففي الجنة أو في النار. وإنما ينبغي أن يقع الاهتمام الكلي بما يزيد في درجات الفضائل قبل نزول المعوّق عنها. فالسعيد من وُفق لاغتنام العافية، ثم يختار الأفضلَ فالأفضل في زمن الاغتنام. وليعلم أن زيادة المنازل في الجنة على قدر التزيد من الفضائل هاهنا، والعمر قصير، والفضائل كثيرة. فليبالغ في البدار. ومتى تخايل دوام اللذة في الجنة من غير منغصٍ ولا قاطع، هان عليه كل بلاءٍ وشدةٍ" (٣).

ثم ينصح ابن الجوزي بمصاحبة الصالحين، والمكثرين من الفضائل، والمتشوقين للآخرة، لأنهم المؤثرون بتفكيرهم وسلوكهم في الآخرين، والبعد عن مخالطة محبي الدنيا وزينتها، فقال في ذلك: "فالنظر في سِيَر المجدين، فإنه يعود مستجلبًا للفكر منها شتى الفضائل والتوفيق من وراء ذلك. فأما مخالطة الذين ليس عندهم خبر إلا العاجلة فهو من أكبر أسباب مرض الفهم وعلل العقل" (٤).

د- تكوين روح الطاعة والإخلاص لله وحده

إن إخلاص العبادات والعمل لله وحده، من الأساليب الفعالة في تزكية النفس البشرية وتطهيرها من الشرور والآثام، والسموّ بها عن الدنايا والرذائل، وتبرز أهمية هذا الأسلوب الفعال في الرقي الروحي للإنسان، في كونها صلة ربانية بين العبد وربه، وهذه الصلة خفية لا يعلمها إلا الله تعالى، فتضفي على الأعمال صفة العبودية لله وحده لا شريك له، وتنفي عن الإنسان النفاق والرياء وحبَّ السمعة. قال


(١) أي حال وجود ما يذكره بالجنة، وحال ما يذكره بالنار.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٤٠٠.
(٣) المرجع السابق، ص ٢٧٧.
(٤) المرجع السابق، ص ٣٢٩.

<<  <   >  >>