والعبادة سواء كانت الفعلية كالصلاة والصوم والزكاة والحج، أو القولية كالذكر أو الاستغفار والدعاء، لابد أن يصحبها استحضار واستشعار لمعانيها، من قلب خاشع، وعقل واع، حتى تتم الصلة الحقيقية بين العبد وربه، فترتقي الروح إلى مدارج عالية من التقوى والطمأنينة والسكينة والخشوع، فتؤتي في النفس أكلها، وتثمر في الخلق والسلوك.
وقد انتقد ابن الجوزي عبادات الناس فقال:"تأملت على أكثر الناس عباداتهم، فإذا هي عادات. فأما أرباب اليقظة فعاداتهم عبادة حقيقية. فإن الغافل يقول سبحان الله عادة، والمتيقظ لا يزال فكره في عجائب المخلوقات أو في عظمة الخالق، فيحركه الفكر في ذلك فيقول: سبحان الله"(١). وسنفصل في هذا الجانب التعبدي الهام، ولكننا سنركز في دراستنا على الجانب التربوي للعبادات، وآثارها النفسية والسلوكية والخلقية في تزكية الروح، دون التركيز على الأحكام الفقهية المتعلقة بهذه العبادات من حيث فضلها وأركانها وواجباتها وشروطها وسننها ومبطلاتها ومكروهاتها. . . الخ. وإن كان لهذه الأحكام من جانبها الفقهي دور تربوي كبير في تنظيم حياة الناس، بطريقة تكسبهم العادات السلوكية الصالحة الاجتماعية والخلقية، التي مع استمرار الممارسة لها، تصبح جزءًا من شخصياتهم.
وسنظهر الآثار التربوية للعبادات من خلال آراء ابن الجوزي التربوية، ثم نربطها بالمنهج التربوي الإسلامي. هذا وقد ناقشها ابن الجوزي من نقاط عدة هي:
و- تطهير النفس وتزكيتها من الرذائل
لابن الجوزي أقوال في الطهارة بمعناها الظاهري المتضمِّن للنظافة والوضوء والغسل، وبمعانيها الداخلية لإصلاح الباطن وتزكيته. وسنعرض لأهم آرائه ثم نناقشها في ضوء المنهج التربوي الإسلامي.