للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجوزي في ذلك: "ومن لم يمكنه تحفظ في مخالطته للخلق تحفظ المجاهد في الحرب" (١).

ولم يبين ابن الجوزي كيفية المحافظة على هذه الجوارح، ولكن فصّلها الإمام ابن قيم الجوزية بقوله: "إن العبودية منقسمة على القلب، واللسان، والجوارح. وعلى كل منها عبودية تخصه. والأحكام التي للعبودية خمسة: واجب، ومستحب، وحرام، ومكروه، ومباح، وهي لكل واحد من القلب، واللسان، والجوارح" (٢). وسأمثل لجارحة اللسان فقط، لتوضيح المراد من قول ابن قيم الجوزية، حتى لا يطول البحث في هذا الجزء، ولمن أراد الاستزادة يمكن الرجوع إلى كتاب مدارج السالكين. قال ابن قيم الجوزية: "وأما عبوديات اللسان الخمس. فواجبها: النطق بالشهادتين، وتلاوة ما يلزمه تلاوته من القرآن .. ومن واجبه: رد السلام. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضالّ، وأداء الشهادة المتعينة، وصدق الحديث.

وأما مستحَبُّهُ: فتلاوة القرآن، ودوام ذكر الله، والمذاكرة في العلم النافع، وتوابع ذلك.

وأما محرمُهُ: فهو النطق بكل ما يبغضه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، كالنطق بالبدع المخالفة لما بعث الله به رسوله والدعاء إليها، وتحسينها وتقويتها، وكالقذف وسبّ المسلم، وأذاه بكل قول، والكذب، وشهادة الزور، والقول على الله بلا علم. وهو أشدها تحريمًا.

ومكروهه: التكلّم بما تركُهُ خير من الكلام به، مع عدم العقوبة عليه.

والمباح: فيما فيه منفعة له، ولا مضرة عليه في الآخرة" (٣). وهكذا يمكن قياس بقية الجوارح بهذه العبوديات الخمس، للاستعانة بها في تدريب الجوارح على مرضاة الله تعالى. فإذا تم للإنسان التنظيف


(١) المرجع السابق، الجزء الثاني، ص ٢١٩.
(٢) ابن قيم الجوزية. تهذيب مدارج السالكين. (هذبه) العربي، عبد المنعم، صالح، جدة، دار المطبوعات الحديثة، محرم ١٤٠٢ هـ، ص ٨٤.
(٣) المرجع السابق، ص ٨٧.

<<  <   >  >>