للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البدني المحسوس، ثم تطهير الجوارح، فقد تم شطر الطهارة الكاملة التي يدعو إليها المنهج التربوي الإسلامي.

النوع الثالث: تطهير القلب من الأخلاق المذمومة:

قال فيه ابن الجوزي: "تطهير القلب من الأخلاق المذمومة، من الحرص والحقد والحسد والكبر وغير ذلك، ولا يمكن معالجته من أدوائه بدوائه حتى تقع الحمية التي وصفناها في كف الجوارح، ثم يعالج كل داءٍ بدوائه" (١).

وهذا القول يدل على فهم ابن الجوزي الصحيح، للمنهج العبادي في الإسلام، وأهمية ارتباط العبادات بالأخلاق الفاضلة. وإن كلام ابن الجوزي هذا موافق لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، -وإن لم يستشهد به- عندما سأل أصحابه: "أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ. فقال: إن المفلسَ من أمتي، من يأتي يومَ القيامةِ بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتمَ هذا، وقذف هذا، وسفكَ دَم هذا، وضربَ هذا. فيعطى هذا من حسناتِه، وهذا من حسناتِه. فإن فنيت حسناتُه، قبل أن يَقضي ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه. ثم طرحَ في النارِ" (٢). إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية في هذا المعنى.

وقد نقد ابن الجوزي، المتعبد الذي غفل عن المعنى الحقيقي للعبادات، وأثرها الإيجابي في تهذيب الأخلاق، وغرس الفضائل، فقال: "وكم من متعبد يبالغ في كثرة الصلاة والصوم ولا يعاني صلاح القلب، وقد يكون عنده الكبر والرياء والنفاق والجهل بالعلم ولا يحسّ بذلك" (٣)، وهذا مصداق لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يدع قولَ الزورِ والعملَ به، فليس للهِ حاجةٌ في أن يدع طعامَه وشرابَه" (٤).


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. التبصرة. الجزء الثاني، ص ٢٢٠.
(٢) مرجع سابق، النيسابوري. صحيح مسلم. الجزء الرابع، ص ١٩٩٧، كتاب البر والصلاة والآداب، باب تحريم الظلم، حديث رقم (٥٩ - ٢٥٨١).
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. التبصرة. الجزء الثاني، ص ٢٢٠.
(٤) مرجع سابق، العسقلاني. فتح الباري بشرح صحيح البخاري. الجزء الرابع، ص ١١٦، كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم، حديث رقم ١٩٠٣.

<<  <   >  >>