للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسيط أو شفيع. ومن خلال الصلاة تتم تربية الإنسان من جميع الجوانب العقلية والصحية والروحية والنفسية والخلقية، فيكون العبد -في أثناء الصلاة- في حالة خضوع تامّ الله -عز وجل-، فيخشع بدنه وجوارحه من خلال القيام والركوع والسجود، ويتدبر عقله في آيات الله، وما فيها من أمر ونهي، فتهدأ روحه، ويسكن قلبه، ويطمئن وجدانه، وترضى نفسه، ويستقيم خلقه. قال الله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} (١).

وفي معنى الصلاة التربوي، يقول ابن الجوزي: "إن الله -عز وجل- عظّم قدر الصلاة لأنها أوفى خدمة العبد، والمراد من العبد التعبد، وهي جامعة بين خضوع بدنه، ونطق لسانه، وحضور قلبه، وإن الله تعالى جعل عبادة ملائكته بين سجود وركوع وذكر، وذلك مجموع في الصلاة" (٢). ثم بيَّن ابن الجوزي أن من شروط قبول الصلاة عند الله تعالى، أن تؤتي ثمارها من السكينة النفسية، والطمأنينة القلبية، استحضار معاني ما فيها، واستشعار رقابة الله وخشيته وحبه والشوق إليه، لأن المصلي إذا تدبّر في معاني الصلاة، فإنه لابد يذوق حلاوة طاعة الله تعالى، قال ابن الجوزي: "كان أرباب التفكر من السلف يشاهدون في كل شيء عبرة، فيذكرون بالأذان نداء العرض، وبطهارة البدن تطهير القلب، وبستر العورة طلب ستر القبائح من عيوب الباطن، وباستقبال القبلة صرف القلب إلى المقلّب، فمن لم تكن صلاته هكذا فقلبه غافل" (٣).

ثم عرض ابن الجوزي لنموذج من السلف الصالح عند أدائهم للصلاة بخضوع وخشوع، وتفكر من خلال فهمهم العميق للمغزى من الصلاة، وهو تعظيم الله -عز وجل- بكل جوارحهم، بعد قطع جميع علائق الدنيا من نفوسهم، فقال: "إن المقصود بالصلاة إنما هو تعظيم


(١) سورة المعارج، الآيات ١٩ - ٢٣.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. التبصرة. الجزء الثاني، ص ٢٣١.
(٣) المرجع السابق، الجزء الثاني، ص ٢٣٥.

<<  <   >  >>