للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التربوي الإسلامي اعترف بهذه الفطرة ليسمو بها عن البخل، ويوجهها للإنفاق الصحيح، وجعل المال وسيلة يستعين بها المرء على طاعة الله تعالى ومرضاته، وليست الغاية جمع المال وكنزه. وفي هذا المعنى يقول ابن الجوزي: "لا ينكر أن الطباع تحبّ المال، لأنه سبب بقاء الأبدان، لكنه يزيد حبه في بعض القلوب حتى يصير محبوبًا لذاته، لا للتوصل به إلى المقاصد. فترى البخيل يحمل على نفسه العجائب، ويمنعها اللذات وتصير لذاته في جمع المال. وهذه جبلّة في خلق كثير" (١).

وعبادة الزكاة لها معان جليلة في تهذيب النفس البشرية وتطهيرها من الشحّ والبخل والأثرة والطغيان والاستبداد. وقد بيَّن ابن الجوزي بعض المعاني التي يمكن أن نستخلصها من هذه العبادة، فقال: "وينبغي للمتيقظ أن يفهم المراد من الزكاة، وذلك ثلاثة أشياء:

أحدها: الابتلاء بِإخراج المحبوب.

والثاني: التنزه عن صفة البخل المهلك.

والثالث: شكر نعمة المال، فليتذكر إنعام الله عليه، إذ هو المعطي لا المعطَى" (٢).

وسنقوم بتحليل هذه المعاني، التي ذكرها ابن الجوزي تربويًا، فقال في المعنى الأول: "الابتلاء بإخراج المحبوب"، هنا لا يخالف ابن الجوزي الحقيقة القرآنية، من حب الإنسان العظيم للمال، وحرصه عليه. وأنه تجلت حكمة الله تعالى في جعل الزكاة فريضة إلزامية على كل فرد، حتى يربي النفس البشرية على البذل والعطاء، واجتناب كنز المال والحرص عليه. وقد اعتبر ابن الجوزي هذه الفريضة من الابتلاء والاختبار للإنسان، بسبب تمكَّن حب المال في قلبه، فصار إخراجه منها صعبًا، ويحتاج إلى مجاهدة ومصابرة، حتى تبذل عن طواعية ورضى.

أما المعنى الثاني فقال فيه ابن الجوزي: "التنزه عن صفة البخل


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٢٩١ - ٢٩٢.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي التبصرة. (تحقيق) عبد الواحد، د. مصطفى، الجزء الثاني، ص ٢٥٠.

<<  <   >  >>