للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المهلك". وذلك لأن حب الإنسان للمال وحرصه الشديد عليه، قد يدفعه إلى سفك الدماء، أو انتهاك الأعراض، أو الوقوع في المحرّمات، ولا يقتصر بخله على ذلك، بل يتعداه إلى إهلاك نفسه، فيعرضها لعقوبة الله تعالى في الدنيا والآخرة، وتعريض أهله وعياله إلى التشرد أو السرقة أو النصب والاحتيال.

أما المعنى الثالث فقال فيه ابن الجوزي: "شكر نعمة المال، فليتذكر إنعام الله عليه إذ هو المعطي لا المعطَى" (١). وهنا يقرر ابن الجوزي حقيقة مؤكدة، ينبغي للإِنسان أن يدركها، وهي أن الله -عز وجل- هو المالك الحقيقي لكل ما في الكون، وهو واهب المال وخالقه وميسر سبله للإنسان، قال الله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (٢) وقوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} (٣)، وقوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} (٤). وبما أنَّه تعالى هو المالك والواهب لكل شيء بما فيه المال، فلابد من شكر الله تعالى على هذه النعم، والاعتراف بفضله ومنته عليه، وهذا الشكر لا يكون باللسان، ولكن يترجم من خلال تنفيذ أوامره تعالى، بالإنفاق من هذا المال في كل ما يرضي الله تعالى، ووفق ما قررته الآيات القرآنية والأحاديث النبوية -نذكر بعضها وإن لم يستشهد بها ابن الجوزي في هذا الموضع- قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (٥).

ينبغي أن يكون إخراج الزكاة من المال الطيب الحلال، لأن الله -عز وجل- طيب لا يقبل إلا طيبًا، وقال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (٦) في هذا المعنى قال ابن الجوزي: "إن الإنفاق يقع على الزكاة


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. التبصرة. الجزء الثاني، ص ٢٥٠.
(٢) سورة النور، الآية ٣٣.
(٣) سورة الحديد، الآية ٧.
(٤) سورة البقرة، الآية ٢٥٤.
(٥) سورة البقرة، الآية ١٧٧.
(٦) سورة آل عمران، الآية ٩٢.

<<  <   >  >>