للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالأجر العظيم في الدارين، قال الله تعالى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} (١). وفي كتاب الله آيات كثيرة بشأن الصبر وفضله وجزاء الله عليه.

وقد بيَّن ابن قيم الجوزية أقسام الصبر على اعتبار أنها متعلقة بأنواعه الثلاثة، فقال: "صبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها، وصبر عن المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها. وصبر على الأقدار والأقضية حتى لا يتسخطها" (٢). وفي هذا المعنى قال ابن الجوزي: "ورأيت الإنسان قد حمل التكليف أمورًا صعبة، ومن أثقل ما حمل مداراة نفسه، وتكليفها الصبر عما تحب، وعلى ما تكره" (٣) وقوله أيضًا: "ليس في التكليف أصعب من الصبر على القضاء، ولا فيه أفضل من الرضى به" (٤).

وتأتي مشقة الصبر على النفس البشرية من أنه يكون مخالفًا لما تحب وتهوى. قال ابن الجوزي: "وإنما صعب الصبر لأن القدر يجري في الأغلب بمكروه النفس، وليس مكروه النفس يقف على المرض والأذى في البدن، بل هو يتنوع حتى يتحير العقل في حكمة جريان القدر" (٥).

لذلك يتطلب الصبر، الإيمان بالقدر خيره وشره، وأن يكون موقنًا بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "عجبًا لأمرِ المؤمنِ: إن أمرهُ كله خيرٌ. وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن. إن أصابته سراءُ شكرَ فكان خيرًا له. وإن أصابته ضراءُ صبرَ، فكانَ خيرًا له" (٦). حتى تنقاد النفس البشرية راضية مطمئنة في ضوء هذه المعرفة واليقين الإيماني بالله -عز وجل-. وفي ذلك يقول ابن


(١) سورة الفرقان، الآية ٧٥.
(٢) ابن قيم الجوزية. عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين. بيروت، دار الآفاق الجديدة الطبعة، الرابعة، ١٤٠٠ هـ - ١٩٨٠ م، ص ٣٢.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٩٨.
(٤) المرجع السابق، ص ٩١.
(٥) المرجع السابق، ص ٩١.
(٦) مرجع سابق، النيسابوري. صحيح مسلم. الجزء الرابع، ص ٢٢٩٥، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، حديث رقم (٦٤ - ٢٩٩٩).

<<  <   >  >>