للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووعدها الجميل لتصبر على ما قد حملت. قال ابن الجوزي: "فرأيت الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية والتلطف للنفس" (١). وقد استشهد ابن الجوزي، بما يحكى عن بشر الحافي -رحمه الله- أنه "سار ومعه رجل في طريق فعطش صاحبه، فقال له: نشرب من هذه البئر؟ فقال بشر: اصبر إلى البئر الأخرى، فلما وصلا إليها، قال له: البئر الأُخرى، فما زال يعلّله. . . ثم التفت إليه فقال له: هكذا تنقطع الدنيا" (٢).

٤ - الوسيلة الرابعة:

احتساب الأجر من الله تعالى، وما يتبعه من تعويض الله -عز وجل- له في الدنيا والآخرة، ومدحه للصابرين، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ} (٣). وفي هذا يقول ابن الجوزي: "ومن ذلك رجاء العوض في الدنيا. ومنه تلمح الأجر في الآخرة. ومنه التلذذ بتصوير المدح والثناء من الخلق فيما يمدحون عليه والأجر من الحق -عز وجل-، ومن ذلك أن الجزع لا يفيد، بل يفضح صاحبه، إلى غير ذلك من الأشياء التي يقدحها العقل والفكر. فليس في طريق الصبر نفقة سواها. فينبغي للصابر أن يشغل بها نفسه، ويقطع بها ساعات ابتلائه، وقد صبّح المنزل" (٤).

٥ - الوسيلة الخامسة:

التفكُّر في أسباب البلاء والصبر عليها، وطلب الأجر والمثوبة من الله -عز وجل-. قال ابن الجوزي: "ثم ليسلَّ نفسه بأن المنع ليس عن بخل، وإنما هو لمصلحة لا يعلمها، وليؤجر الصابر عن أغراضه، وليعلم الله الذين سلَّموا ورضُوا. ثم إن زمن الابتلاء مقدار يسير، والأغراض مدخرة تلقى بعد قليل، وكأنه بالظلمة قد انجلت، وبفجر الأجر قد طلع. ومتى ارتقى فهمه إلى أن ما جرى مرادُ الحقّ سبحانه، اقتضى إيمانه أن يريد ما يريد، ويرضى بما يقدَّر، إذ لو لم يكن كذلك كان خارجًا عن حقيقة العبودية في المعنى" (٥).


(١) المرجع السابق، ص ٩٨.
(٢) المرجع السابق، ص ٩٩.
(٣) سورة الزمر، الآية ١٠.
(٤) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ١٥٦.
(٥) المرجع السابق، ص ٣٨٨.

<<  <   >  >>