للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نهائيًّا" (١)، ثم استشهد بقوله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} (٢).

وقد استخدم ابن الجوزي هذا الأسلوب العاطفي للتنفير من المعصية، حتى يبتعد العاصي عنها. فقال في التنفير من الزنى: "إنه يفسد الفرش، ويغير الأنساب، وهو بالجارة أقبح" (٣)، وقال: "فكم يتعلق بالزنى من محن لا يفي معشار عشرها بلذة لحظة، منها هتك العرض بين الناس وكشف العورات المحرّمة. وخيانة الأخ المسلم في زوجته إن كانت متزوجة، وفضيحة المزني بها وهي كأخت له أو بنت. فإن علقت منه ولها زوج ألحقته بذلك الزوج، وكان هذا الزاني سببًا في ميراث من لا يستحق ومنع من يستحق. ثم يتسلسل ذلك من ولد إلى ولد. وأما سخط الحق سبحانه فمعلوم" (٤). قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (٥). وقال ابن الجوزي في التنفير من شرب الخمر: "فإنه تنجيس للفم والثوب، وإبعاد للعقل، وتأثيراته معلومة عند الخالق والمخلوق. فالعجب ممن يؤثر لذة ساعةٍ تجني عقابًا وذهابَ جاه، وربما خرج بالعربدة إلى القتل" (٦).

ثم إن ابن الجوزي بيّن أن سبب انغماس العاصي في المعاصي، وعدم إحساسه بها، هو شهواته التي تحجب عنه ما فيها من عيوب ونقائص، فإذا انجلت هذه الغشاوة رأى الشهوات على حقيقتها، فوجّهها بما يرضي الله تعالى. وفي هذا المعنى قال: "ومن رأى المعصية بعيني الشهوة فما رآها؛ إذ فيها من العيوب ما شئت ثم ثمرتها عقوبة آجلة، وفضيحة عاجلة" (٧).

وقد بيَّن ابن الجوزي أن المعصية لها مراتب، فقال: "كلّ المعاصي


(١) مرجع سابق، يالجن. جوانب الترببة الإسلامية الأساسية. ص ٤٧٤.
(٢) سورة الحجرات، الآية ١٢.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٢٨٠.
(٤) المرجع السابق، ص ٤١٦.
(٥) سورة الإسرء، الآية ٣٢.
(٦) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٤٢٦.
(٧) المرجع السابق، ص ٤١٥.

<<  <   >  >>