للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"أحدها: رؤية الهوى العاجل فإن رؤيته تشغل عن الفكر فيما يجنيه.

والثاني: التسويف بالتوبة، فلو حضر العقل لحذّر من آفات التأخير، فربما هجم الموت ولم تحصل التوبة. والعجب ممن يجوز سلب روحه قبل مضي ساعة ولا يعمل على الحزم، غير أن الهوى يطيل الأمد، وقد قال صاحب الشرع - صلى الله عليه وسلم -: "صل صلاةَ مودع". وهذا نهاية الدواء لهذا الداء؛ فإنه من ظن أنه لا يبقى إلى صلاة أخرى جدّ واجتهد".

والثالث: رجاء الرحمة فيُرى العاصي يقول: ربي رحيم، وينسى أنه شديد العقاب. ولو علم أن رحمته ليست رقة؛ إذ لو كانت كذلك لما ذبح عصفورًا ولا آلم طفلًا، وعقابه غير مأمون، فإنه شَرَّعَ قطع اليد الشريفة بسرقة خمسة دراهم، لجدَّ وأناب" (١).

وقد بيَّن ابن الجوزي أن للمعاصي آثارًا مذمومةً مضرةً بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة، فقال: "الذنوب تغطّي على القلوب، فإذا أظلمت مرآة القلب لم يبِنْ فيها وجه الهدى" (٢) وقال: "كم من معصيةٍ لا يزال صاحبها في هبوطٍ أبدا مع تعثير أقدامه، وشدة فقره وحسراته على ما يفوته من الدنيا، وحسده لمن نالها" (٣). وقوله: "من العجب إلحاحك في طلب أغراضك، وكلما زاد تعويقها زاد إلحاحك. وتنسى أنها قد تمتنع لأحد أمرين: إما لمصلحتك فربما معجل آذى، وإما لذنوبك فإن صاحب الذنوب بعيد من الإجابة" (٤).

والعلاج التربوي لهذه المعاصي والآثام، هو التوبة الصادقة النصوح، التي تقوي الإرادة الخيرة، وتقمع النفس المحبة للشهوات، وتطهر القلب والجوارح من الآثام، فتندفع النفس لمرضاة الله تعالى، والتقرب منه بالطاعات.


(١) المرجع السابق، ص ٣٥١.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. التبصرة. الجزء الأول، ص ٢٥.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ١٩٣.
(٤) المرجع السابق، ص ١٩١.

<<  <   >  >>