للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن الجوزي في التوبة، موثقًا كلامه بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية: "قد أمر الله سبحانه وتعالى بالتوبة، فقال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا} (١). ووعد بالقبول فقال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} (٢). وفتح باب الرجاء (٣) فقال: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} (٤). واستشهد ابن الجوزي بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "للهُ أفرحُ بتوبةِ عبدهِ المؤمنِ من رجل نزلَ بأرض دَويّةٍ (مهلكة) معه راحلتُه، فطلبَها حتى إذا أدركهُ الموتُ. قال: أرجعُ إلى مكاني الذي أضللتُها فيه فأموتُ فيه، فأتى مكانَه فغلبتْه عيناه، فاستيقظَ فإذا راحلتُه عند رأسِه عليها طعامُه وشرابُه وزادُه وما يصلِحُه، فاللهُ أشدُ فرحًا بتوبةِ عبدهِ المؤمنِ من هذا براحلتِه وزاده" (٥).

ثم وضح ابن الجوزي معنى التوبة النصوح من خلال عرضه للأقوال التالية: "قال عمر بن الخطاب: التوبة النصوح أن يتوب العبد من الذنب وهو يحدِّث نفسه أن لا يعود. وسئل الحسن البصري عن التوبة النصوح فقال: ندم بالقلب، واستغفار باللسان، وترك الجوارح، وإضمار أن لا يعود. وقال ابن مسعود: التوبة النصوح تكفر كلَّ سيئة" (٦). وقرأ الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (٧).

أما حقيقة التوبة في نظر ابن الجوزي، فهي كما قال: "ليست التوبة نطق اللسان، إنما هي ندم القلب، وعزمه أن لا يعود" (٨). وقد قال أيضًا في حقيقتها: "أتعتقد أن التوبة قول باللسان، إنما التوبة نار تحرق الإنسان. جرد قلبك من الأقذار، ثم ألبسه الاعتذار، ثم حَلهِ حُلة الانكسار، ثم أقمه على باب الدار" (٩).


(١) سورة النور، الآية ٣١.
(٢) سورة الشورى، الآية ٢٥.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. التبصرة. الجزء الأول، ص ٢٤.
(٤) سورة الزمر، الآية ٥٣.
(٥) مرجع سابق، العسقلاني. الباري بشرح صحيح البخاري. الجزء الحادي عشر، ص ١٠٢، كتاب الدعوات، باب التوبة، حديث رقم ٦٣٠٨.
(٦) مرجع سابق، ابن الجوزي. التبصرة. الجزء الأول، ص ٣٥٩ - ٣٦٠.
(٧) سورة التحريم، الآية ٨.
(٨) مرجع سابق، ابن الجوزي. التبصرة. الجزء الأول، ص ٣٢٩.
(٩) المرجع السابق، الجزء الأول، ص ٣٦٢.

<<  <   >  >>