شيء من الاعتماد على نفسه، إذ يصبح عن طريق الملاحظة والمقارنة والمشاهدة والتفكر والتأمل، يدرك بعض الأمور مثل انفصاله عن الآخرين، والسعي لتحقيق الضروريات لحياته، كما أصبح يدرك بعض المفارقات بينه وبين الحيوانات، يضاف إلى ذلك نزوع عاطفي نحو ما ألفه من الطبيعة نظرًا لما قدمته له من حماية ووسائل للحياة.
المرحلة الثالثة: من السابعة حتى الحادية والعشرين من العمر: يبين ابن طفيل في هذه المرحلة، ما وصل إليه "حي" من نمو جسدي وانفعالي وفكري، فذكر أنه على الصعيد الجسدي، استطاع أن يفصل بين الجسد والروح، ويكتشف طبيعتهما وماهية كل منهما وعلاقته بالآخر، كما اكتشف طبيعة الحواس، والدور الذي تؤديه للإنسان، وطبيعة عملها، وما تحقّقه للفرد من معارف وإدراكات بواسطتها.
أما على الصعيد الانفعالي (العاطفي) فقد استمد "حي" عواطفه الايجابية من الظبية التي أمدته بأسباب الحياة فكانت سببًا في بقائه، كما أخذ من الغراب الذي دفن صاحبه درسًا وخبرة، مستحسنًا ما أقدم عليه ذلك الطير. وكما كانت تلك العاطفة -بعد وفاة الظبية- باعثًا على الكشف والتعرف، كانت باعثًا على الاهتمام والشفقة وتقديم المساعدة لكل من يحتاجها.
أما على الصعيد الفكري: فقد أراد ابن طفيل الفيلسوف أن يصل بـ"حي" إلى درجة فكرية عالية ومتقدمة، كما وصل به في الجانبين الجسدي والانفعالي.
وأهم الحقائق التي بلغها "حي" في هذه المرحلة هي أنه:
"أ - تمكن من الكشف عن العلاقات بين أشياء متعددة متنافرة ومتباعدة مثل (علاقة الروح بالجسد، وأعضاء الجسد بالجسد نفسه الذي هو وحدة واحدة).
ب - ربط الإدراكات والمعارف بالوسائل المؤدية إليها فقد ربط الادراكات الحسية بالحواس، وإذا تعرضت الحواس لعائق تعطلت الإدراكات.