وقد اهتم ابن الجوزي بمرحلة الطفولة اهتمامًا كبيرًا من جميع الجوانب الخلقية والعقلية والصحية والعلمية والنفسية والاجتماعية، لما لها من أثر عظيم في بناء وتشكيل شخصية الطفل ثم بيَّن أثر الوسائط التربوية في تربية الطفل، والدور الفعّال لكل من الأُسْرة والصحبة سلبًا وإيجابًا. كما ذكر العديد من الأساليب التربوية المناسبة لتهذيب الطفل وتقويمه، مثل التربية بالقدوة، أو التربية بأسلوب الثواب والعقاب، أو عن طريق أسلوب الرسائل التربوية (الكتابة والتأليف) كذلك حدد ابن الجوزي المنهج التعليمي للطفل في مرحلة ما قبل الدراسة النظامية، والدراسة الإلزامية وأهم الفروق الفردية بين الأطفال وأهمية رعايتها في التعلم والسلوك.
وقد ركز ابن الجوزي في مرحلة البلوغ والشباب على الجانب الجنسي وذكر خطورته على البالغ، وأكد أهمية المحافظة عليه عن طريق غرس مراقبة الله تعالى وتسهيل طريق الزواج له، وتعويده على غضّ البصر والصيام ومنع اختلاطه بالنساء، وإعداده لكسب الرزق عن طريق تأمين عمل له، وأن تكون تربيته مبنية على الاحترام والتقدير والثقة به.
وفي مرحلتي الكهولة والشيخوخة نادى ابن الجوزي بضرورة الاستمرار في ضبط النفس عن شهواتها، والاهتمام بالعلم والحفظ والتأليف، والاستزادة من العمل الصالح الذي ينفع في الدار الآخرة.
أما في مرحلة الهرم، فالتفرغ لذكر الله تعالى، والعمل الصالح، والصدقة الجارية والاستعداد للرحيل، والتزوُّد بالباقيات الصالحات.
ولكي يستغلّ الإنسان مراحل عمره فيما يرضي الله -عز وجل-، بيَّن ابن الجوزي كيفية تربية كل جانب من جوانب الكيان البشري بطريقة معتدلة ومتوازنة تتفق وفطرة الإنسان التي خلقه الله بها. فالتربية الجسمية تشمل العناية بالدافع إلى الطعام والشراب والجنس، كما تعنى بالاستشفاء من المرض والنظافة والرياضة وتكوين البصيرة بالأمور الصحية، والتنشئة عليها، وتكوين الحصانة ضد الأمراض، وهذه المبادئ تتم في إطار المنهج التربوي الإسلامي المعتدل، الذي يراعي الفروق الفردية بين الناس، ويعتبر إشباع هذه الحاجات الفطرية وسيلة لطاعة الله -عز وجل- وليست غاية في ذاتها.