وفي تلك السنة توفي جده الشيخ بهاء الدين المذكور فاستجاز له حينئذ الشيخ شهاب الدين ابن حجي شيوخ ذلك الوقت.
ولما رجع والده إلى القاهرة صرف همته إليه حتى مهر في مدة يسيرة وتقدم واشتهر بالفضل وقوة الحفظ.
ثم لما مات أخوه القاضي بدر الدين سنة إحدى وتسعين كما تقدم في ترجمته استقر مكانه في قضاء العسكر ودخل مع أبيه أيضاً دمشق في سنة ثلاث وتسعين والعلماء إذ ذاك بالشام كثيرون فظهر فضله وعلا صيته، وكان والده يعظّمه وُيصغي إلى أبحاثه ويصوّب ما يقول، ثم دخل دمشق معه ثالثاً في سنة ست وتسعين وهي آخر قَدَمات والده.
واستمر على الطلب والاجتهاد والإفتاء والتدريس وشغل الطلبة، ثم ولي قضاء الديار المصرية بعد تحقق موت القاضي صدر الدين المناوي في سنة أربع وثمان مائة قبل وفاة والده بسنة وكُسر ثم عُزل ثم أُعيد مراراً إلى أن تعصّب له جمال الدين الاُستادار الحلبي المشهور في الدولة الناصرية فرحل عنه القاضي شمس الدين الأخنائي إلى الشام فاستمر من سنة ثمان وثمان مائة إلى أن صرف في وقعة الناصر بدمشق سنة خمس عشرة ثم أُعيد عن قريب واستمر في الدولة المؤيدية لكن صرف بعد ذلك بالقاضي شمس الدين الهروي ثم أُعيد قبل سنة وذلك في سنة اثنين وعشرين.
قال بعضهم: وقد جلس في بعض المهمات التي قدم فيها مع الناصر بالجامع الأموي وقرئ عليه البخاري وكان يتكلم على مواضع منه.
وكان فصيحاً بليغاً ذكياً سريع الإدراك، وكان قد نقص عما كان عليه قبل ولاية القضاء، قال مرة: نسيت من العلم بسبب القضاء والأسفار العارضة بسببه ما لو حفظه شخص لصار عالماً كبيراً. انتهى.
قال صاحبه شيخنا الحافظ ابن حجر -أمتع الله ببقائه- كان له بالقاهرة صيت لذكائه وعظمة والده في النفوس، وكان من عجائب الدنيا في سرعة الفهم وجودة الحفظ وكان من محاسن القاهرة ويكتب على الفتوى كتابة